في بئر أنثى

ربما لم تر عينه أو يشعر قلبه بأكثر منها أنوثة وأرق طباعا .. لكن قسمتهما أن تنبش الأيام بينهما قليلا وقليلا حتى أضحى القليل كثير وصار النبش حفرا .. وفجأة تضخمت الفجوة أكثر .. وقررت الشمس أن تتخلى عن مهمتها لتترك القمر مظلما .. فما عاد يجدي الإنتظار ولابد آت فراقهما .. تركته يومها وعادت يعصر الألم قلبها ويقتله الشوق إليها .. طالما كانت له أنا .. لكنها اليوم ومع عشقها الجنوني به تسقط كما سقط هو ضحية تلك الفجوة .. لتبتعد أنا عن هو .

لابد أن يجد حلا .. حاول كثيرا مرة وعشرة ..لكنها قررت ألا تكون هي الأنا له أبدا .. شعور مليء بالقسوة والمرارة أن يقطع شريان القلب وهو ما زال حيا .. أن يحرم النبض وما زالت به روح .. ألم قاتل تصنعه لا مع إمكانية كونها نعم ..

قرر الرحيل بعيدا عن مدينتها وإن كانت هي مدينته .. ربما تفصله أجواء المكان عنها .. دون تفكير غادر ذلك المكان الذي شهد لحظة الوداع الأخير إلى محطة الحافلات .. أخذ التذكرة وصعد الحافلة .. كان رقم المقعد (46) لكنه لم يكن خاليا .. استأذن ممن كان يجلس فيه .. وأخذ مكانه وانطلقت الحافلة .. على يمينه كان القمر متربعا على عرشه وليست فتاة كبقية الفتيات .. مع أول نظرة لها ارتسمت معالم أناه عليها فأصبح يراها فيها .. ياويح قلبك ..تركتها هناك لتراها هنا على وجه هذه التي تستقي الأنوثة من نبع جمالها .. تتكئ على يدها اليمنى .. وجهها الصبوح باد له .. كانت ممتلأة قليلا .. لكنه لم يكن الأمر الذي يسيئ لجمالها بل كان تدعيما لكيان الجمال فيها .

رفيقتاها تجلسان في المقعدين أمامه .. تستلم منهما بيدها وتنبسط كفها .. تنطق الشفتين أو قل الجوهرتين .. ثم تتناول قنينة المياه لتشرب ويُحال الماء من خلف فيها رحيقا تمنى لو يستقيه بعدما تركت تلك القنينة .. بقي على حالته هذه طيلة طريق السفر .. بين حيرته في رؤية أناه بين قسمات ذلك الكيان الرقيق المجاور له وبين قنينة العسل الذي فكر كثيرا في حيل الدنيا ليحصل عليها وما استطاع ..

احدى رفيقتيها كانت نموذجا مصغرا منها .. الفرق أنها لا ترتدي حجابا الأمر الذي أظهر لعينه جمالها أكثر وأكثر .. راحت نفسه تحاكيه " ويحك أيها القلب .. كيف سقطت في بئر العسل .. لا يفصلك عن مرارة الفراق ولوعة الإشتياق إلا عطر هذه ورحيق تلك .. حسنها وقليله يذيبك .. شعرها الذي طالما تمنيت أن يصطدم بوجهك وكثيرا ما اقتربت ليحدث وما حدث .. كأنه حقك يا أنا الذي أجبرتني نفسي على الجور عليه تستخلصه الأقدار من قلبي الآن شيئا فشيئ " .. ليته ترك المقعد لمن كان عليه وجلس بعيدا .

كان قد قرر في نفسه أن يترك الحافلة عند آخر محطاتها .. مع أول محطة في مدخل القاهرة نزل راحلا .. قلبه يأبى الخروج من بين خلايا العسل و نفسه لا تطاوعه لكنه غلبهما وراح يجوب شوارع القاهرة .. في كل أنثى يراها .. أنا وأنا وأنا .. كاد الجنون يدمر هيكل عقله .. أَخَلت مصر من رجالها أم أن عينه لم تعد تبصر إلا أنا .. في كل مكان وإن كانت أنهت كل ما كان تماما .. صاحبنا وحبه لأناه لا يفارقه أبدا .. حتى ولو وصل إلى أعماق الصعيد هربا من قسوة الألم .. ستبقى معه .. قد قطعت عهدا على روحها أن تظل معه مهما كان .. وستبقى متلبسة به طيلة حياته .. لتكون أنثى حياته هي فقط ..

رابط التعليقات أسفل عنوان البوست أو من هنا

8 التعليقات:

محاولة لكسر الصمت يقول...

(وقررت الشمس أن تتخلى عن مهمتها لتترك القمر مظلما)

ربما هو أخطأ حين قرر أن يكون قمرا..لشمس أبت أن ترحم حبه...

تحياتي...

بنجاواتى يقول...

االشعور بالحب اعمق من اى قرار قد نتوهم انه يقضى عليه

تحياتى على الاسلوب الرائع

قلم رصاص يقول...

وقررت الشمس أن تتخلى عن مهمتها لتترك القمر مظلما

بتجيب الكلام ده منين بس
ههههههههههههههههههه

بارك الله في قلمك يا أخي والله

مزيد من التميز والابداع

في حفظ الله

بزنس تعيش يقول...

تركت القمر مظلما
عبارة رائعة
وقصة موحية
-------------------
تقبل مرورنا
-----------------
مع تحياتنا / حازم وهانى

yoyo يقول...

صباحك سكر

أ لتلك الدرجة ملىء الحب قلبه
حتى صار ككأس بالحب فاضت ؟!
يبحث عن تلك الأنا وحتى و قلبه بالفراق يئن
آآه منك و آآه عليك يا قلب
دوما للحب تبنض
حتى وانت كنت مازالت تئن و تتوجع
دوما تايى الحب كما السحر فى لحظات
بدون ادنى ترتيب او حتى ميعاد
وقد يمضى و يتركنا قد ارتشفنا من بئر العسل
وعندها لا مفر
فمن تذوق العسل لا يقوى على فراقه

مشاعر و احاسيس حلوة اوى يا ابراهيم
بصراحة تشبيهاتك روعة
و اختيارك للكلمات مش له حل
دمت اخى بكل خير و سعادة
تحياتى
يويو

غير معرف يقول...

عارف، و أنا بقرأ، حسيت إني بشوف فيلم من أفلام المقاولات أيام الأبيض و الأسود، بتجيب الملل دا منين؟
تعبيراتك كويسة و دا دليل على إن قاموسك اللغوي واسع، لكن الفكرة سيئة تماماً

رؤية يقول...

فاليرحمه الله ويشفيه وسعافيه ممن تلبسته بروحها عن رضا واقتناع من قلبه
او يجمعهما دوما لتندمج الروح مع جسدها فتتخلص من اناتها وبحثها الدائب وسط الوجوه عن ( انا) خاصته


تحياتى

شبه إنسانه .....( سهوره ) يقول...

رائع إحساسك سيدى

لك منى كل التحية والتقدير

وأشكرك لزيارتك

دام قلمك مبدعا

دمت بخير

تقبل مرورى

سهوره

 
') }else{document.write('') } }