ادخلوها بسلام


( 1 )

 لما كان يوم العودة إلى كتيبة الخدمة بعد أن انتهت إجازة الأيام المعدودات ، بات ليلته محاطا بأجواءٍ عائلية يحب نكهتها كثيرا ، ليلة تمضي لينطلق مع فجر الحياة الجديد عائدا إلى الثغر على الحدود.

أخته الصغرى تمازحه دائما " هتجيبلي ايه المرة الجاية م الجيش يا دفعة " ، تقولها ليكمل هو بذات الرد في كل مرة " هجيبلك المشير في شكارة يا خفة " ، و لما يأتي من خدمته إليهم " فين المشير ، و لا جايبلي خرطوش و رصاص حي " ليقول هو كما العادة " الخرطوش ده تجيبيه من بقالة أبو حامض " .

شارفت خدمته على الانتهاء ، لم يبقى له في عالم الزي المموه و السلاح القديم الذي لا يعرف عن حاله شيئا و ما طلب منه يوما أن يستخدمه أصلا إلا شهورٌ ثلاث ، يعد أيامها ساعة بساعة .

ذاكرته بدت في محو ما اختزنته على مدار عام و أكثر ، فما كان في أيامها لا يسره أن يبقى فيها ، من الأفضل أن يمُحى أو حتى يحل في مرتبة عاشرة في درجات الذاكرة و تخلوا درجاتها الأولى لأحلام جديدة يرسمها لمستقبلٍ يختلف عن أيام الخدمة العسكرية تماما في واقع حسنٍ يتمناه .

حقيبته معدة ، زِيّهُ الزيتي و المموه .. بيادته السوداء الثقيلة .. بعض شفرات الحلاقة من نوع " Gillete Vector " لأنه يصدق دعايتها المشابهة للواقع بنسبة ، ومصحف جيب صغير مؤشر قراءته يقف عند سورة الحشر .

تصاعدت أصوات الأذان و تشابكت كلماته بين المؤذنين في مساجد مختلفة ، سفرة السحور لا تزال على حالها بعدما انتهوا من طعامهم ، أخته القائمة بأعمال بيتهم سترفع الصحون و تجليها بعد أن يمضي هو ، لا تريد أن تضيع من الوقت شيء في غير الجلوس معه .

الفراش في غرفة أمه خالٍ .. أين ذهبت أمي ، يرفع صوته مناديا .. ما هي إلا بضع ثوان ليراها جالسة على كرسي أمام بوابة البيت أخذته من مقاعد السفرة المواجهة للمدخل ، يرفع حاجبا و يُبقى آخر .. على خده يرسم ابتسامة " لم تفعليها منذ عام و أكثر إلا في المرة الأولى ، مضى ما مضى و ما هو آت أقلُ كثيرا يا أمي فلا تزيديه بتأخيرٍ يسجله قائد الكتيبة في سجلي " .

انتفضت من مكانها لما سمعت حديثه و أبعدت الكرسي عن الباب خشية أن يزيد عليه يوم فوق أيامه الباقية ، " متتأخرش عليا يا حبيبي ربنا يوفقك ، و بالنسبة لموضوع الجواز متقلقش سيبلي أبوك و أنا هقنعه و هخطبلك اللي تشاور عليها ، ترجعلي بالسلامة يا ضنايا ، استحر و افطر كويس و متقفش في الشمس كتير عشان خاطري " .

انحنى على يدها يقبلها بعد أن خطى نحوها مسرعا ليتلقفه حضنها " متقلقيش يا أمي .. رضاكي و الدعاء يا ست الحبايب " ، ألقى السلام و هو يغلق الباب خلفه .

( 2 )

اجتمع مع رفاقه على أول الطريق الذي اعتادوا اللقاء فيه لحظة الانطلاق ، المسافة التي تفصلهم عن كتيبة الخدمة مائتي كيلوا متر ، ليسوا جميعا من سكان العريش ، بعضهم يخرج مبكرا قبل ذلك بيوم ليصل إلى مكان التجمع في ذات الوقت المتفق عليه ، ركبوا سيارة كانت في انتظارهم يعرفون سائقها و يعرفهم ، أمضوا معه على هذا الطريق بهذه الحال سنة و يزيد .

على مقربة من مدينة رفح المصرية تكتفي السيارة إلى هذا الحد ، يكملوا مسيرهم بعد ذلك بناقلة معدة لتوصيل الجنود أماكن خدمتهم داخل المناطق العسكرية .

الحادية عشر بتوقيت القاهرة .. أمضوا في طريقهم ما يربوا على ثلاث ساعات ، تمام الجند مع دقات الثانية عشر ظهرا ، لديهم متسع من الوقت إذاً ، و قبل أن تتم الساعة دورتها كانوا أمام مركز الخدمة ، لتبدأ ممارسة الطقوس العسكرية المملة خصوصا في نهار رمضان .

سجلوا أسماءهم في تمام الحضور ، رفاق ثلاثة كلهم في نقطة حدودية واحدة ، كمين عسكري لا يمر صوبه أحد ، لا يرون خيالا لآدمي سوى هؤلاء الذين يتعاملون معهم .. زملاؤهم و قائد الكتيبة و بعض الضباط .

تمام الرابعة مساء .. الآن حانت ساعة الخدمة ، ثلاثتهم في ذات المكان و لأن علاقتهم بقائدهم حسنة لا يتعمد فصلهم في أماكن مختلفة أو حتى على مسافات متفاوتة ، يتناوبون الوقوف على رأس كل ساعة ، بينما يجلس أحدهم يقف اثنان في مكان الحراسة المباشر ، على مقربة منهم بعض محارس أخرى لا تفصلها مسافات بعيدة هي في نفس المساواة تقريبا على الشريط الأمني ذاته ، في كل منها مثل عددهم يتناوبون هم أيضا .

مضت ساعات النهار واحدة تلو الأخرى يمضونها في مكان الخدمة المباشر أو في الراحة ريثما يأتي دور أحدهم ، هو قبل تمام السادسة كان في راحته ، و لما دق تمام الساعة راح إلى رفاقه يتسلم المكان من أحد الواقفين ليقوم مقامه و يعود الآخر ليبدأ راحته بعد ساعة كاملة من الوقوف .

دقائق قليلة و يرفع المؤذنون نداء الصلاة إيذانا برحيل الشمس و حلول المغيب ، قطع شوكلاته ، مرطبات في حقيبة تمتلأ ثلجا و شيء من المسليات ، بعض ما كان في حقيبته التي جهزتها له أخته الصغرى ليزيد من رفاهية التعيين المخصص في وجبة الإفطار .

قبل مدفع الإفطار ببضع دقائق انطفأت أنوار المكان ، لم يكن الأمر على درجة عالية من الغرابة ، انقطاع التيار ليس جديدا عن أرض مصر هذه الأيام ، ترك مكانه هو و رفيقه الذي يشاركه الخدمة متجهين إلى زميلهم الآخر في مستراحهم ليتأهبوا للإفطار على ضوء هواتفهم المحمولة .

 

( 3 )

لم يهدأ لهذه المرأة بال ، ليس من طبعها أن تدك جيوش القلق الموحش قلبها على ولدها بهذه الطريقة كلما راح إلى خدمته أو حتى تأخر عن موعد إجازته أياما ، هي تعلم دقة الموقع الذي يخدم فيه و تقدر ضوابط العسكرية و أوامرها ، حتى يوم كانت الثورة ما كان قلبها يئن بهذه الدرجة ، مع أن الأمر في التحرير لم يكن آمنا بالقدر الكافي ، لم يكن معه سلاح كما الآن يدفع عن نفسه به أي أذى فما كانت فترة خدمته العسكرية قد بدأت بعد ، مع ذلك لا يفتر شبح القلق عن مزاحمة الراحة في نفسها .

نظرات عيونها تنطق بشيء غريب ، أخته تسأل عن فعلها الذي كان فجرا حين وضعت كرسيا أمام الباب فلا تجيبها بشيء إلا نذر يسير من حديث لا طائل منه و لا معنى يتضح فيه ، و أبوه الذي كان قاسيا في حواره الأخير لما طلب منه أن يخطب له حتى إذا ما انتهت خدمته يبدأ في تجهيزات المسكن و ما إلى ذلك ، لم ينطق ببنت شفة ، كلما رآى القلق النابض في عين زوجته لا يزيد عن قوله " يا رب سلم سلم " .

( 4 )

ضجيج في الخارج ، بقع ضوء تبدو كأنوار سيارة ، قرع و هرج لا يعرفون له مصدرا واضحا ، مسرعين قاموا كزملائهم في مراكز الكمين المحيطة إلى الخارج يستبينوا الأمر حاملين أسلحتهم ، و ما هي إلا لحظة خروجهم إلى المكان حتى رأوا رؤوسا ملثمة الوجوه ، لم تكن أعداد أصحابها بالوضوح الكافي مع ارتفاع مستوى الإضاءة التي تصدرها سيارة تتحرك مسرعة بين مراكز الكمين على امتداد هذا الجزء من الشريط الأمني ، لم يمهلهم القدر بعض دقائق لتدارك الأمر و التعامل معه ، باغتهم الملثمين بقنص مكثف بآليات مريعة و بسرعة تخطت قدرتهم على الاستيعاب .

سقط الثلاثة كلهم فجأة ، و لا يزال القنص مستمرا حولهم و الحال من سيء لأسوأ ، أصوات الهرج عالية و الفعل بمضمونه غير متضح تماما .

هو .. ملقى على الأرض ينزف صدره على يد صاحبه الذي سقط قبله فصار أسفل منه ، يهمس إليه " ما الذي يحدث .. هل أنت بخير ، أين صاحبك ؟! "، و لا يجد ردا لسؤاله .. الدقائق الأولى مع مغيب الشمس ، رحل معها النهار و أرواحهم أيضا ها هي ترحل معه .

صار متيقنا أنه النزع الأخير و الأنفاس الأخيرة في الحياة ، لما هم أن يحملوه إلى سيارة الإسعاف و قد مضى على الحادث أكثر من نصف ساعة انتقلت فيها سيارات الإسعاف و النجدة إلى المكان لم يكن قد فارق الحياة بعد .

الطبيب الذي جاء لينظر في أمره قبل أن يحملوه سمعه يقول " أقرءوا أمي السلام ، قولوا لها الآن عرفت أي باب كنتِ تجلسين أمامه ، إنه باب الجنة يا أمي ، حدثوها أن ربي قد اختار لي حورية يقول لي مَلَكٌ الآن أنها خير مما أتمنى .. قبلوا يدها و اسألوها الرضا و الدعاء " .

جسده الدامي ينتفض ، يسيل الدم من صدره كما لو كان مضخة غزيرة الإنتاج ، رأسه متكئ على يد الطبيب الذي بات يلقنه الشهادة و هو يتابع حديثه المتقطع " قولوا لأعداء الله لن تنالوا من مصر شيئا .. دمي و دماءٌ كثيرة فداء لأرضٍ حماها الله في قرآنه .. قولوا للعالم " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " ، لا تتركوا الأمر يصير بكم إلى ضعف .. هي فرصة للقوة فاغتنموها " .

نظرته الأخيرة كانت لوجه الطبيب " أبلغهم حديثي هذا بلغك الله الشهادة مثلي " ، " أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله " آخر ما نطقه بحروفٍ واضحةٍ صحيحةٍ المخارجٍ و كأن مُصَابَهُ غير كائن .. مالت بعدها رأسه على يد الطبيب ليغمض بكفه الآخر عينا شهيد الحدود .

رفاقه الذين من حوله في ذات المكان و الأماكن المجاورة حالهم تشابه مع حاله ، لما هموا أن يرفعوه على حامل النقل سقط من جيبه كتاب صغير ، مصحفه الذي كان يقرأ فيه قبل ساعات قليلة ، لا يزال مؤشره عند سورة الحشر ، قدره لم يمهله إتمام الختمة الثالثة كما كان يعقد نيته .

( 5 )

مر على الحادث ساعات لم يذكر الإعلام فيها نبأ قصيرا عما جرى ، مضت العشاء و التراويح و بعدها بدأت الأنباء تنتقل عبر فضائية الجزيرة و مواقع التواصل الاجتماعي ، كلها أنباء مكتوبة لا تصحبها صور و لا يؤكدها مصدر مسمى باسم يعرفه الناس .

أخته الصغرى قرأت في صفحات إخبارية على الفيس بوك شيئا مما كان يذاع بين زوار الموقع ، لم يَدُرْ بخلدها أن أمرا ما يرتبط بأخيها ، حوادث الحدود كثيرة بعضها جرى و هو في خدمته و لم يصبه من أذاها شيئا .

هاتف البيت يدق ، كان الرد من نصيب والده ، رفع سماعة الهاتف ليجد على الطرف الآخر شخصا يقول " مستشفى ... حضرتك والد المجند .... " و بعد أن تأكد المتحدث من هوية والده أخبره نبأ الحادث و مقتل ابنه جراء الهجوم المسلح ".

لم يتمالك الرجل نفسه و لم تسعفه قدمٌ ولا أخرى ليستقيم واقفا بعد أن سمع ما قاله ذلك المتحدث ، لحظة صرخت فيها أمه قبل أن تعرف ما نمى إلى علم زوجها من الحديث الكائن في هذه المهاتفة ، و ما هي إلا لحظت حتى تأكد الخبر خاصة بعد أن أذاعت فضائية الجزيرة بيانا مقتضبا لرئيس الجمهورية ينعي فيه شهداء الحدود .

( 6 )

صدمة فقدت معها الأم صوابها ، فلذة كبدها الذي كان بين ذراعيها منذ ساعات تنبض روحه و يتنفس فتستنشق عبق أنفاسه أصبح الآن " ماضي " ، و المضارع الكائن هو نبأ الحادث الذي راح ضحيته هو و كثير من زملاءه بين شهيد و مصاب .

أخته المتفطرة ألما على رحيله كتبت على حسابه الشخصي تقول " شهيد الحق حي في القلوب .. وعند الله علام الغيوب ، دم الشهداء عند الله مسك .. و طيب المسك زاهٍ في الطيوب ، مع الرسل الكرام وتابعيهم .. يعيش شهيدنا - أخي - ما من لغوب ".

* تمت *

* القصة مستوحاة من أحداث الحدود الأخيرة ، بطلها مجند شاب كانت خدمته في الكمين الذي شهد الهجوم المسلح ، تفاصيل الأحداث صنعها خيالي و صاغها قلمي ، رحم الله شهداء الوطن و أخرج مصر من أزمتها على خير .

مذكرات ثائر ( الحلقة الأولى ) بو عزيزي .. بسمة .. 25 يناير

( بادئ ذي بدء .. ربما تكون الحلقة الأولى مقالية أكثر منها سردا لأحداث .. و هكذا دائما تكون البدايات ، خاصة و أن الثورة في مهدها كانت مجرد أحلام صاغها الناس كلاما على الشبكة الالكترونية )

*** *** *** *** ***

فهمتـكم ، البطال و المحتاج .. و ما إلى غير ذلك من الهرتـلة التي أنهى بها زين العابدين تاريخه العقيم في الأرض الخضراء ، لم أكن حينـها متابعـا جيـدا لأحـداث التغيير في تونس ، و ما كان في ذهني أبدا مصطلح ثورة .. مع أني سمعته عددا من المرات وقتها لكن السمـاع لم يطـابق منطق العقـل عنـدي حينهـا .. كل الذي يتـبادر إلى تفكيري أن ما يحدث سيخمده سياط الجلاد ، و ستنام تونس باكية على جرحها العميق .. ليس هذا من منطق التشاؤم لكن الواقع كله كان يفرض هذه النتيجة على عقولنا ، غير أنه لم يكن مما توقعه أحد شيئا .. و صدمتني المفاجأة ، بل و صدمت العالم بأسره على اختلاف وقعها في النفوس .

ذكرت مصـادر مطلعة أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد غادر البلاد ، قناة الجزيرة تذيع الخبر بنصه هذا ، ابتسامة المذيعة ذات الملامـح العذبة عنصر مهم إضافي جعلني أكمل سماع النبأ إلى نهايته ، يبدو أن ما حسبته خيالا صار أمرا حقيقي .. بن علي تـرك تونس و رحل بلا عـودة ، أصداء هذا النبـأ في الشـارع التونسي خلقـت في نفسـي حماسـة رهيبـة لا أعـرف لها مصدرا ، و لم أعـرف في نفسي جرأة مسبـوقة ؛ خاصة و أن الأوضاع في مصر تختلف كثيرا .. أو ربما لم أكن أعرف ما هي الأحوال التي كانت في تونس لأقيم الأمر بموضوعية .. المهم أنني تحمست بشدة .

علاقتي بالثورة التونسية اقتصرت على أنباء متطايرة لا ترقى إلى المتابعة الدقيقة و المعرفة المتعمقة ، لكن ذلك سرعان ما تغير بعد انتصار الثورة ، من أرشيف الجزيرة الالكتروني عرفت تفاصيل الأحداث التي بدأها بو عزيزي رحمه الله حين أحرق نفسه في الشارع .

مع كل هذه الحماسة لم أكن متفائلا أبدا ، على الفيس بوك بدأت كتابات الناس تختلف ، تحديثات صفحات كثير من الأصدقاء تشابهت إلى حد كبير ، فعلتها تونس 14 يناير و ستفعلها مصر 25 يناير ، حتى التاريخ لم أكن متفائلا به ، مما كتبه الناس حينها " يوم عيدكم سنجعله يوم خيبتكم " و كنت أخشى أن يكون يوم خيبة على مصر كلها يزيد من علو كعب الشرطة على الشعب و يفتح بوابة بلطجة غير مسبوقة من النظام الإجرامي و تبدأ حرب الوجوه المكشوفة .. صراع التفكير الذي يدور بين نفسي و عقلي يزيد من إحباطي .. كيف لهذا الشعب المغيب النائم الفاقد لمعايير الثورة أن يفيق فجأة .. و " يقلب مبارك من ع الكرسي " ؟!

في بيتنا .. نقاشي معهم كان نابعا من هذا الإحباط .. أنا أعرف تماما كيف يتعامل الأمن مع المظاهرات ، أتذكر جيدا ما كنت أراه حين أسيـر فـي مظـاهـرة إخوانيـة في براح الجامعـة .. خصوصا بعد أن تنتهـي المسيـرة و يخـرج من كـانوا فيهـا متفرقين من البوابات .. " بوكسات " و أفـراد الأمن يلحقـون بهـم ، اعتقـالات أو قل اختطـافـات عشوائيـة سريعة تذهب بعشرات منهم إلى حيث يأمر " سعادة البيه " ، و البهوات حينها كانوا كثير ، رجال أمن الدولة لا أعاد الله ليدهم سلطة أبدا ، لذا كنت مستاءً يملأني الخوف و القلق .

السيـناريـو الذي توقعتـه باختصـار أن تتأهـب أجهـزة الأمـن بكل طـاقاتـها كي تدفن المولـود قبل أن يصير شابا و يستعصى أمره عليها ، اتهمني الكثير بالانهزامية و الضعف و الخوف ، لكن ما كان الأمـر ضعفا بقدر ما كان خشيـة من انهيار أسوار البلد أكثر مما هي عليه .

يوم و يوم و أيام .. انفعالات الناس تتزايد و أنا أحاول الانسجام معها لكن لا أستطيع ، التونسيون بدأوا التفاعل مع المصريين على الفيس بوك ، نصائح الخروج للمظاهرات و ما إلى ذلك .. المصريون بالخارج بدأوا أيضا تضامنهم مع أهلهم داخل مصر ، و بدأت أنا انتظار اللحظة التي ستلغى فيها اتصالات شبكة الانترنت تماما عن مصر لنعود إلى العهد الحجري .. أمر بديهي لأنهم كثيرا ما صنعوا مثله على عهد الانتخابات و غيرها من الأمور التي يهتم الناس بها و يدور في شأنها حديث على الانترنت .

لما استمر الحال على هذه الطريقة .. شعرت بخجل من طريقة تفكيري هذه ، ربما لم أكن منسجما حينها مع صيحات الناس التي كانت بالنسبة لتقديري وهمية الحدوث ، و عذري في ذلك ما كانت عليه أحوال نفسي و تضاريس روحي التي باتت قبل هذه الأيام شهرين و أكثر في عناء تداوي جرحا روحيا لم تنطفئ ناره حتى ذلك الحين .

الحب حين يسيطر على فؤاد واحدنا لا يترك مجالا لشيء آخر ، و أنا حينها لم يكن بداخلي سوى آثار قصة حب فشلت في إكمال مراحلها ، و لا فائدة ترجى من قلب أتعبه حب فتاه حتى يُشفى من ألمه .. هكذا كنت مبرجما وقتها .

مصر في ذلك الحين كان وجودها في نفسي مقصور على كونها وطن أحبه .. حبا دون حب ، لم أكن أشعر بما أقرأه من كتابات الأوائل من الذين سبقونا و عاشوا عهد انقلاب 1952 أو انجاز 1973 ، وطنيتهم التي كتبوها كنت أقرأها زيفا و مبالغة و أحلاما خيالية ، و إلا فما تلك الميزة الجبارة التي تنعم بها مصر و تفيض بها على شعبها لنجد أفرادا يتغزلون فيها بهذه الطريقة .

قياساتي لم تكن صحيحة .. أعلم هذا ، فاختلاف الأزمنة خلق اختلافا في ظروف الواقع ، ما كتبوه على عدهم كان حقيقيا في نفوسهم و إن كنا قد لمسنا نحن نتائج تلك الكذبات و الادعاءات الزائفة التي صدح بها عبد الناصر على زمانه و السادات بعد انجازه عبور بارليف ، هذان الرجلان استمدا شعبيتهما من أفعال كانت عظيمة بحق ، و غيبوا عن الناس أفعالهم المشينة الأخرى التي لما مر الزمان و أمسك مبارك زمام الأمور لم يبق لنا نحن الذين أتينا من بعدهم شيئا سوى تلك الأفعال المشينة ( اعتقالات و تعذيب في السجون و فقر و بطالة و غلاء و كبت حريات و اعلام مزيف للحقائق و ما إلى ذلك مما تفاقم بمراحل واسعة في عهد المخلوع ) .. كل هذا و أكثر كان ينسج عباءة الخوف و الانهزامية يوما بعد آخر و يلقي بها على كتفي ، هكذا حتى جاء اليوم المشهود 25 يناير 2011 .

كيان أنثى .. و عين رجل

تحتاج إلى صدفة غير عادية ، تقطع المسافة سيرا مثلي .. من التحرير إلى رمسيس ، أو سر في أي طريق آخر تريد ، و لكي تكتمل أساسيات الصدفة .. ستراها تسير في اتجاه معاكس لك ، تماما كما حدث معي .. يقابل وجهها وجهك و كلما تقدمت خطوة اقتربت هي خطوتين ..

أحد المارين يدور بعدسته في الشارع ، يلتقط مشهدا بعيدا لميدان التحرير .. تدور العدسة فتلتقط صورة حية لوجهك في اللحظة التي تبصر عيناك فيها وجه الفتاة للتو ، و حينها لا ينبغي أبدا أن تفوت هذه الفرصة ، لا تتركه يرحل دون أن تأخذ منه اللقطة سواء أكانت متحركة أو ثابتة ، و يا حبذا لو كانت " ثابتة " فالثبات في اللحظات النادرة أكثر تأريخا لها و أقوى لتذكر إحساسك فيها و استرجاعه .

فور أن تأخد صورتك منه .. انظر إلى ملامحك جيدا ، دقق في تعبيرات وجهك كيف كان حالها و أنت ترقب تلك الفتاة في لحظة النظر الأولى ، الأنثى الحلوة تجبر الرجل حين يراها على بعض أشياء لا إرادة له فيها ، فمك مفتوحا .. عيناك جاحظتان ، و أمران آخران يعرفهما الرجال جيدا و قد تعرفهما بعض الفتيات .

قد يقول قائل ( ده عته يا باشا مش إعجاب ) ، و أنا أقول يا سيدي أن هذا نعم ليس بإعجاب على الإطلاق ، لكنه أيضا ليس عـتَهـاً ، كل ما في الأمر أن هذه التي رأت عيناي بين التحرير و رمسيس تحمل وصفا دقيقا للأنثى بحق ، و عيناي المعلقتان في وجهي تحملان صفة الرجولة الكامنة في نفسي .. و ما كل أنثى تحمل صفة تلك التي رأيت ، و لا كل عيون الرجال مثل عيني .

الرجال الذين لا يهتز لهم أمام الأنثى كيان من باب القوة وما إلى ذلك ، يعيشون وهما سموه في أعرافهم ( مقاومة ) ، و الحقيقة أنهم محض أجساد خاوية لا يملكون من فطرة الميل شيئا أو هم قتلوا قلوبهم فماتت فطرتهم ، أما الذين يمنعون أعينهم من الانطلاق بين صفوف الأنثى فأؤلئك نفر أتمنى أن أكون منهم يوما .. فبقدر ما تعلو حلاوة الإحساس في النفس حال هذه النظرة يزيد ألمها بعد ذلك .

أنت .. كم مرة فتحت فمك و جحظت عيناك أمام فتاة حلوة ؟! ، و أنتِ .. كم مرة رأت عينكِ رجلا يطيل النظر إليك بفم مفتوح و عين جاحظة ؟!

أما عن عيني أنا .. فلا أعتقد أنها ترسوا آمنة في مكانها طالما كنت خارج إطار بيتنا !!

أيتها الأنثى .. عفوا ، الآن في المكتبات

هبة وليد – نقلا عن موقع رؤية.نت الإخباري

صدر حديثا عن دار أكتب للنشر ، العمل الأدبي الأول للكاتب الشاب إبراهيم العدوي بعنوان “أيتها الأنثى .. عفوا، ويقع الكتاب فى 125 صفحة من القطع المتوسط، متضمنًا صنفين من النصوص النثرية ، يأتي الصنف الأول في 24 نصا نثريا كاملا منها [ الحب غيبا - غرام في اللازمن - فردة شراب بني - في وصف أنثى - حواء أعشقك هكذا .. الخ ] ، أما الصنف الثاني فهو شطر الكتاب الآخر و هو عبارة عن فقرات نثرية قصيرة تحكي مواقف يسردها الكاتب من حياته الشخصية و تجاربه العامة .

يتدرج الحديث في المجموعة النثرية عن حالة رومانسية عاطفية كاملة عاشها الكاتب و تعايش مع بعض منها فقص خبرها بنصوصه التي اختلف الإحساس فيها بين الغليان و ثورة المشاعر و بين الهدوء و دفء اللحظات .

استهل الكاتب بداية نصوصه بشكر خاص و مدخل عام و إجابة عن سؤال رآى أنه سيراود الأغلبية حين يقرأون عنوان المجموعة ، جاؤت الإجابة في نص خاص بعنوان [ لماذا الأنثى ؟ ] ، كما جاءت بعض نصوص الكتاب و فقراته القصيرة مغايرة للطابع العاطفي للتخفيف من حدة الإحساس و إيقاف القارئ في استراحات قصيرة للربط و التنقل بسلاسة بين بقية نصوص الكتاب .

تقام أولى حفلات توقيع الكتاب في محل إقامة الكاتب بالمنصورة [ مكتبة بوكس آند بينز 7 ش جزيرة الورد متفرع من المشاية السفلى ] الخميس 14 يوليو الجاري الساعة السادسة مساء بحضور عدد من الكتاب ومتابعي الكاتب ، كما أن الدعوة مفتوحة لحضور الجميع .

الكتاب صادر عن دار أكتب للنشر و التوزيع ، الغلاف من تصميم حاتم عرفة و المراجعة اللغوية لمحمد طاهر .

يوزع في مكتبات الجمهورية و خلال ساعات تعلن صفحة الكتاب ع الفيس بوك و صفحة الكاتب الشخصية عن أماكن التوزيع ، كما أنه ستقام عدة حفلات توقيع أخرى للكتاب في الشهر الجاري في كل من القاهرة و الاسكندرية و بور سعيد و طنطا .

جروب المجموعة النثرية [ أيتها الأنثى .. عفوا ] على الفيس بوك

صفحة الكاتب الشخصية على الفيس بوك

بين شيء و آخر

شيء بديهي .. لو أن القلوب تعرف حسبة الأيام و تواريخ الميلاد و أزمنة البشر .. لتغير الحال تماما و لما تعلق قلب رجل بأنثى تكبره و لو بيوم واحد .. لكنها المشاعر الكامنة في أوعية القلوب لا تعقل في نبضها إلا التدفق أو الإحجام .. إما تدفق مشاعر الهوى أو الإحجام عن ذلك لأي سبب متعلق بهيكل القلب لا برغبة غيره .. قلوبنا يا سيدتي مملوكة لخالقها يحركها كيفما شاء !!

شيء منطقي .. علمتني الحياة إياه .. أن أبقى على حق نفسي قبل أن أبحث عن حقوق الناس عندي .. لأن البشر كلهم مهما كانوا لا يدع أحدهم لي حقا دون أن يقطع من روحي معه أكيالا كما لو كنت قاتل أبيه .. اليوم تعلمت القسوة على الدنيا من أجل أن تحن هي علي .. كفانا عتابا أيها الزمن فما عدت أفهم لغة العتاب كي تكتب ولا كيف تقرأ لذا فلن أقتنع مجددا بشيء مهما يكن !!

شيء لا بد أن تعرفيه سيدتي .. إثبات الذات الرجولية لا يرتبط مطلقا بتأريخ الوجود على ساحة الدنيا بقدر ما يرتبط بربيع العمر و رشد العقل و ضوابط القلب ، متى ما نضجت نفوسنا عرفت الحب بطبيعتها ، و متى ما عرفت الحب اختارت وليفها دون أي تدخل من هيكل صاحبها .. كلها أقدار مشيئية معلقة بحبال الوصل الإلهي .

شيء أؤمن به .. حين تكثر في عطاء الحب لأنثى تعتقد أنها ملكت زمام أمرك فلا تستطيع الحياة أن تسير بك دون أن تكون هي على منصتها ، مساكين هم النساء لا يعلمون أن يوسف عليه السلام نجا من كيد امرأة العزيز .. و أنا في الحب يا سيدتي من أتباع يوسف ، تعف نفسي عما يعافه القدر لي !!

شيء أتعجب له .. لماذا تمتنع الأنثى عن التصريح أو حتى التلويح بحجة الخجل الغريزي في خلقتها النفسية ؟! أعتقد أنها باتت أكذوبة أن تتكئ أنثى على شماعة الخجل و هي تدرك يقينا أن قلب الرجل معلقا بها حد الجنون ..

شيء غير منطقي .. لماذا تتعجب الأنثى من استمرار تعلق قلوب بعض الرجـال بحبه لإحداهن مهما مر الزمـان حتى مع تكرار قول لا ؟ ، أنا كرجل أؤمن جيدا أن حبال الوصل المعقودة في القلب لا يقطعها قول لا إلا في حالة واحدة .. إذا تمكنت أنثى أخـرى من قطعها نهائيا ووصل أطرافها المتصلة بقلـب الرجل بحبال الحب في قلبها هي !!

شيء ما .. أكره ذاتي حين أنظر لأنثى فتشعر بالخجل و يوترها الحياء من نظرتي تلك ، العين التي تكسو وجه فتاة بحمرة الارتباك تُفقد الرجل قيمته في نفسه .. الأنثى في عرفي وعاء زجاجي شفاف سُتر عنا بعضه و كشف بعض آخر ، و ما هو مكشوف ليس حقا لكل العيون أن تفضح أسراره بشرار الرؤيا .. اتقوا الله في نظراتكم فما تحسه الأنثى من عيون سارقي النظرات ليس سهلا على الإطلاق ..

شيء آخر .. في الحب هناك فرق بين أن تكون فاعلا و أن تكون مفعولا به ، حين ينبع الحب من قلبك تعرف حقيقة مشاعره و تعيش في صميمها ، تقرأ دقيقها و تحس حلوها و مرها ، عَذْبَهَا و عَذَابَها ، فتتمرس حتى تصير عاشقا قويا بحبه مهما كانت نتيجة فعلك الذي هو الحب ..

أما حين تكون مفعولا به فأنت مجرد كيان وقع عليه فعل فاعل آخر ، أمرٌ يتطلب منك أن تسكن إحدى خانتين ، إما التحول لفاعل فجأة بناء على قوة إرسال إشارات الحب من قلب من وقع عليك فعله ، فيحيلك عاشقا له متيما به ، و في هذه الحال تكون قد أنقذت روحا من الهلاك .. أو أن تخرج من الجملة كلها فلا يكون لك فيها مكانا ، و تصبح بهذا الصنيع مفعولا هاربا ، فَقَدَتْ جملة الحب بهروبه كيانها و تحول معناها إلى وتيرة كئيبة ترافق ذلك الفاعل المسكين ، مغايرة تماما لما تمناه ، و يصير المرفوع مجرورا خلف مفعولٍ ٍمفقود ، و تضيع ملامح الجملة بعد أن صار الفاعل مضافا إلى مفعول ترك مكانه أصلا ..

قبل أن تختار مكانك في جملة الحب .. امتحن ذاتك حتى يكون الأمر جديرا بالطاقة المهدرة في كتابة أحرف هذه العبارة ..

أصل الحكاية !!

لا تعجبو يا سادتي إن قلت يوما أن الحكاية كلها كانت خطأ

من منطق الحق العظيم القول بالصدق مهما في بساطنا الشر وطأ

*** *** *** ***

الصدق .. راح ضحية الشرف المباع بأبخس الأثمان في سوق النخاسة بين تجار الحشيش و بائعي الأعضاء ..

الحق .. مات فريسة منهوشة في ساحة مبسوطة بيد طغت و تجبرت في سائر الأرجاء ..

الخير .. فاضت منه نفس المؤمنين فقَتَّلتهم باطشات الشر من عبث الغبي بضربة الجبناء ..

العقل .. ضاع ضريبة الصمت الرهيب المحكم الإغلاق في ساح الحضور و حضرة الأضواء ..

و الحب .. لا تسأل عن الحب الذي شنقته عقدة فيلسوف ماكر زعم الهداية .. جعل الحرام حلالا ، فساء مصيرها الأبناء ..

الأمن .. في الظلمات تاه و بات مختبأ .. في ثوب ليل لونته معالم الحرباء ..

و الحُر صار مخيرا بين الحقيقة و العقيدة في ساحة مخضوبة بدماء ..

و الحقيقة كلها صارت كذب .. صارت تحدي و افتراء ..

هذه الحكاية كلها يا سادتي.. و هذا موجز الأنباء

لا تعجبوا أبدا فكل العاقلين اليوم أضحو في عيون الحاسدين ،، معشر أغبياء ..

أجلس أرضا

بين العيون مسافة قريبة .. تختصر النظرات المسافات ، يكاد مُبصرنا من بعيد يرقب التحاما حان أوانه .. فجأة أهز رأسي يمنة و يسرة معلنا صحوة عقلي و اتزانه مجددا .. المكان لا يسمح بأي التحام من أي نوع ..

أقترب من أذنها .. أهمس ضاحكا .. تلحظ على مقربة منا فتاة حملقت معنا ،، عيناها تقول أنها تنتظر قبلة عشق .. همست لي بخبرها .. أخذتها من يدها .. و رحلنا بعيدا ..

هناك .. حيث رحلنا ،، أجلس أرضا .. ساقاي ممدودتان .. راحة يدي بين يديها .. الكتف إلى الكتف ، هي تجلس إلى جانبي مثل جلستي ، غير أن يدها تحتضن يدي فوق ساقيها الممدودتان أيضا .. أشم عطر الكلمات ينساب عبيره بين ثنايا الأحرف من فيها ، ألحظ في عينيها نظرات تلمع ببريق لا أعرف له اسما غير اسم الحب ..

أبحث عن شيء يجمعنا ، أرتشف قليلا من كأس في يدها الأخرى ، ثم براحة يدي أسقيها .. و أقبل بعد الرشفة حد الكأس الملتحم بشفتيها ،،

ليس بسحرٍ أن تجد الرشفة من فرط الرقة تكسوني فور ملامستي لجدار الكأس جمالا .. طربا .. أنسا ، شوقا للقبلة تأتي بعد الرشفة في فيها .. أو حتى في يدها ..

السعي لرغبة قلب يحتضن الأنثى في نهم ، يقترب بشوق .. يعترف بعشق يسكن بين الأضلع .. يقتحم بجرأته قلبا مختزنا فيها ..

هذا ما دار بفكري حين أويت لأجلس بين يديها .. و اقتربت تجلس في مقربتي .. لتحدثها بي نفسها ، و تحدثني نفسي فيها ..

[ الحكاية من وحي خيالي ]

عفوا .. قريبـــــا

بين نعم و لا.. ثقافة إختلاف

نشر في شبكة محيط الإخبارية [ شبكة الإعلام العربية ] هنا

الأوطان في دنيانا تمر بمراحل متفاوتة بين القوة و الضعف و الارتخاء و العزيمة ، و مصرنا بعد ثورتها المباركة 25 يناير تقف على المحك .. لا أتعجب حين أرى أصواتا تقول نعم و أخرى تقول لا بيننا مع أن واحدنا كان ممسكا بيد صاحبه في صفوف الثورة يهتف [ الشعب يريد إسقاط النظام ] و اليوم يختلف معه في فكرة الموافقة على التعديلات الدستورية التي تمت أو عدم قبولها كليا .

لنتفق على أمر ما بادئ ذي بدء .. أننا جميعا سنشارك في الاستفتاء يوم 19 مارس و لكل منا حقه الكامل في التأشير أمام مربع نعم أو مربع لا ، و النتيجة النهائية لصندوق الإقتراع و لنتفق أيضا على أمر مهم .. كلنا مهما كانت أراءنا موافقون كلية على نتيجة الإقتراع السري مؤمنون بنزاهتها لأول مرة بعد أكثر من ستين سنة ..

الأمر الذي يشغل فكري الآن هو هيئة الإختلاف و بناء كيانه ، على صفحات الفيس بوك انطلقت صفحات و مجموعات حوارية و حتى على الحوائط الشخصية .. الكل الآن بدأ يرفع لافتته التي تعبر عنه .. نفر الناس الذين يقولون نعم رفعوا لافتة خضراء تدعم الاستقرار و أرباب فكرة لا رفعوا لافتة حمراء تعلن رفض ترقيع الدستور الباطل ..

كلنا يعترف أن الدستور المعمول به حتى تاريخ جمعة التنحي دستور باطل ساقط كلا و جزءا .. لكن لا يستطيع أحدنا أن يحكر على رأي الآخر ، على صعيد شخصي أستطيع أن أقول أنني تمنيت أن لو كانت القوات المسلحة كفتنا شر الاختلاف الذي يسوق في بعض الحالات الى التناحر بين أشخاص غيبو عقولهم ، و للأمر أكثر من مخرج فبدلا عن كتابة نصوص دستورية كاملة البنود ، يكفينا إعلان دستوري محدد بالمواد المعدلة يسوقنا لانتخابات برلمانية و رئاسية حرة و نزيهة و يكفل ذمن بنوده ضرورة الانتهاء من صياغة دستور جديد بعد انعقاد مجلس الشعب في فترة لا تتخطى ستة أشهر كما نصت إحدى بنود المواد الدستورية المعدلة .. لكنها أقدار الله جرب بهذه الطريقة و أعتقد اعتقادا جازما لا يخافني فيه أحد أن رجالات القوات المسلحة صادقون في أقوالهم بنسبة تصل إلى تسعين في المئة و الأسباب في هذا الاعتقاد واضحة تماما .

الذين يرفعون لافتات نعم يعتقدون أنه من الأسلم شد الشرع مرة أخرى حتى نصل بمراكبنا إلى بر الأمان و من ثم نتمكن من اعداد المكرب و صيانته صيانة كاملة بكل تفصيلاته كي لا يبحر بوضعه الذي كان به في عرض البحر فيغرق بنا مجددا ، ما يعني أنهم يرون أن التعديلات الدستورية تكفل الوصول لدولة مدنية و انتخابات نزيهة و تلزم مجلس الشعب بالانتهاء من صياغة دستور جديد خلال ستة أشهر قررتها إحدى البنود المعدلة ، سبب آخر يقوي حجتهم هو أن القوات المسلحة جبهة مصر العسكرية منوطة أصلا بمهام خطيرة تتعلق بأمن الوطن وحمايته كلا و جزءا و معنى أن ينشغل قادتها في إدارة شؤون البلاد هو اختلال ميزان المهمة المنوظة بهم و ضياع الاستقرار شيئا ما .. ثم إن أحكام المحاكم العسكرية مغلظة لا يطيقها أحد و إن كنا نحترمها و نقدر أنها للصالح العام خاصة في ظروف كهذه التي نعيشها .

أما الذين يقولون لا فهم يعتقدون أيضا أن ترقيع ثوب مهلهل يزيد من تشويه صورته بل و ربما لحق الضرر مجددا بالجزء المرقع من الثوب ، فما الفائدة إذا من كل هذا المجهود و الخيط المستخدم في الترقيع و هو في نهاية الأمر قد بلى و انتهت صلاحيته ، كذلك من أسباب رفضهم للتعديلات صورة بعض الموافقين على التعديلات و أن غالبية أعضاء الحزب المحروق موافقون على هذه التعديلات ما يفتح بوابة القلق في نفوس الناس و يجعل التساؤلات تأخذ مأخذها إلى نفوسهم و هو حق مشروع للجميع فلا يعلم الغيب إلا الله .. مبررهم في رفضهم هو أن الدستور فقد شرعيته حين فقد مبارك شرعيته .. و العهدة على رئيس لجنة التعديل الدستوري أن الدستور لم يفقد شرعيته السياسية لأنه ليس بديلا عن الشرعية السياسية إلا شرعية الشعب و شرعية الشعب لا تكتب دستورا جديدا في يوم و ليلة إنما يحتاج ذلك إلى مدة طويلة .

خلاصة القول أن الجميع في كلا الفئتين يرى أن مصلحة مصر و الاستقرار لها كامن في منطقه المؤمن به و كلا المنطقين صواب لا غبار على شيء فيه ، لكنني معترض على بعض الطرق المستخدمة في التعبير عن الرغبات على صفحات الفيس بوك مثلا و التي تحمل هجوما شرسا من البعض على البعض الآخر و ليس الأمر للتعميم أبدا فهناك أيضا نماذج رائعة قرأتها بعيني في الاختلاف حول نقطة الموافقة أو الرفض للتعديلات الدستورية محل الحديث .

أنا لا أفرض رأيي على أحد لذلك لم أسرده في هذا النص ، الهدف الأوحد من كتابة وجهتي النظر و سردها بهذه الطريقة هو دعوة للجميع بالاتزام بثلاثة أمور لا رابع لها .. احترام وجهة نظر الآخرين أيا كانت و التفاعل في الحوار بأخلاقيات الإختلاف فما صنعناه من ثورة عظيمة يشوهه التناحر بين بني البلد الواحد و الذي هو في أصله اتفاق لا اختلاف فالكل يسعى لمصلحة مصر ، الأمر الثاني أننا جميعا سنتجه إلى صناديق الاقتراع و ندلي بأصواتنا نعم أو لا في الخانة المخصصة لذلك ، الأمر الأخير هو أن الكل مؤمن بنزاهة الإقتراع موافق على نتائجه ..

كلمة أخيرة .. ميدان التحرير ليس بعيدا و ميادين مصر كلها بين أيدينا و من أحيى حريته بيده لا يمكن أن يترك لأحد فرصة لقتلها مرة أخرى .. لذلك لتهدأ نفوسنا و لنمارس حياتنا و حقوقنا السياسية و ندلي بأرائنا في مناخ وطني أخوي لا يفرقنا في شيء و تجمعنا فيه مصلحة مصر .

شيء في الحب

في الحب هناك فرق بين أن تكون فاعلا و أن تكون مفعولا به ، حين ينبع الحب من قلبك تعرف حقيقة مشاعره و تعيش في صميمها ، تقرأ دقيقها و تحس حلوها و مرها ، عَذْبَهَا و عَذَابَها ، فتتمرس حتى تصير عاشقا قويا بحبه مهما كانت نتيجة فعلك الذي هو الحب ..

أما حين تكون مفعولا به فأنت مجرد كيان وقع عليه فعل فاعل آخر ، أمرٌ يتطلب منك أن تسكن إحدى خانتين ، إما التحول لفاعل فجأة بناء على قوة إرسال إشارات الحب من قلب من وقع عليك فعله ، فيحيلك عاشقا له متيما به ، و في هذه الحال تكون قد أنقذت روحا من الهلاك .. أو أن تخرج من الجملة كلها فلا يكون لك فيها مكانا ، و تصبح بهذا الصنيع مفعولا هاربا ، فَقَدَتْ جملة الحب بهروبه كيانها و تحول معناها إلى وتيرة كئيبة ترافق ذلك الفاعل المسكين ، مغايرة تماما لما تمناه ، و يصير المرفوع مجرورا خلف مفعولٍ ٍمفقود ، و تضيع ملامح الجملة بعد أن صار الفاعل مضافا إلى مفعول ترك مكانه أصلا ..

قبل أن تختار مكانك في جملة الحب .. امتحن ذاتك حتى يكون الأمر جديرا بالطاقة المهدرة في كتابة أحرف هذه العبارة ..

 
') }else{document.write('') } }