حياة..حمى الإنتظار / 7

لم تعد الحيرة أمرأ جديد عليه.. وضعته تلك الكلمات التي همست بها آية بكل رقة في أذنه في دوامة الأوهام..ساعة يظن كلامها نهاية لما كان بينهما من أخوة وصداقة..وأنها لن تحاكيه بعد اليوم لما وجدته منه.. وتارة أخرى يرجع عن ذلك ويقول..لأكنها خرجت معي..إذا فهي على غير هذا الرأي..لكن ربما خرجت لتخبرني بهذا ..ربما وجدتها فرصة كي لا تشعرني بالحرج أمام الزملاء في الكلية..لا لا ..يستحيل.. أمعقول أنها تشعر بــ لا لا أظن كلامها لا ينبئ عن ذلك.. ولم لا كانت تتكلم برقة غير معهودة..أم كنت أنا أتخيل ذلك..يالله ..ماذا تقصدين من وراء كلامك هذا يا آية..؟ لو كنت أعلم أن نار الفضول والإنتظار ستقلبني على جمراتها لما تركتك تذهبي دون أن تخبريني.. والأشد من ذلك..أنه بقي يوم ونصف لأراكِ..

راح يلهي نفسه ويشغل باله عن التفكير في الأمر..خرج من حجرته التي يجلس حبيسها..لأول مرة سيجلس مع أهله..يأم الجلسة لا يجد جديدا في حديثهم..نزل إلى ابن عمه.. طلب منه أن يخرجا سويا...تعجب من طلبه ..ألساعة الثانية عشر والنصف ليلا..لكنه خضع له بعد أن وعده أن يخرجا للعشاء والحساب على هادي..وسرعان ما كان في طريقهما إلى (كابتشينو) أحد المطاعم المطلة على النيل..

دخلا..اختارا طاولة مناسبة يطلان منها على النيل..تكلم هو..تبدو المدينة عروسا في الليل..لكن لو أن الشمس خرجت من خبائها الآن لقشعت الجمال من على العروس ولظهرت بحقيقتها ...

جاء النادل..طلباتكم.. اختارا شاورما دجاج سوري.. ولكني أنصحكم بالكمبو رخيص ومعه سلطة وبطاطس وكنز(مشروب غازي) ..لكننا لا نريده نريد ما طلبنا..عفوا ولكن.. بكم الشاورما قبل أن تقول عفوا..بعشرة جنيهات..والكمبو بأربعة عشر جنيها وخمسة وسبعون قرشا..ضحك هادي حتى توجعت بطنه من دقت الرجل وسذاجته..وتقول أرخص.. لا إله إلا الله..أسمع هات ما قلت أنت عليه (الكمبو) لكن نصيحتي لك لا تفعلها مع الجميع..اترك الناس على راحتهم...

وبعد العشاء..الساعة الواحدة خمس وأربعين دقيقة صباحا..ياالله..قد أخرنا هذا النادل كثيرا .. راحا يسيران سويا..حكى هادي لإبن عمه كل ما جرى..مع آية ومع أؤلائك الناس الذين دعوه لحضور مهرجانهم عن الأقصى..يقول..قد أعجبني كثيرا هذا الإحتفال وذاك التجمع للتبرع الخيري..لأكني لا أجد راحة معهم ..أجد نفسي تنفر من هيأتهم..أنا أريد أن أكون ثريبا من الله..لا أريد أجواء الفجر والفساد..لأكنني أريد أن أكون معتدلا لا متشددا.. أريد أن أكون مصريا لصالح البلد لا مفسدا مضيعا لمصير البلد..

سمع منه.. وفيما هم سائرون أعطاه رأيه..اسمع يا هادي.. لتأخذ حذرك من كل من يتكلم معك..إن كن فتيات أو كانوا رجالا من تلك الجماعات..اسمع..صل الظهر والعصر في المسجد المقابل للكلية..مسجد عادي لا تجد فيه مثل هؤلاء..الكل من أصحاب الدكاكين المجاورة لا غير.. وحاول أن تجد لنفسك هدفا تسير به كي لا يفرض عليك أحد رأيا أو يملي عليك كلاما..واختر روحا تعيش بها وسط جميع الناس فتيات وأصدقاء وكل من يكون..

وصلا البناية أخيرا..صعد هو الطابق الرابع وابن عمه في الدور الأرضي.. دخل بيته..فتح باب الحجرة..وسريعا كان غارقا في النوم يحتضن وسادته ويتوه في غياهب الأحلام وكهوف المنام..

استيقظ يوم الجمعة متأخرا..ليست عادته..لأكن السهر أثر عليه..سريعا أخذ حمامه..وبدل ملابسه..نزل لصلاة الجمعة..ذهب للجمعية الشرعية..المسجد الأكبر في المدينة..ألخطبة فيه ساعة كاملة..هو لا يعرف هذا لكنه أحب أن يرافق عمه إلى المسجد..يسير معه ويتحدث إليه.. لكن أمله قد خاب في أن يجد راحة في حديثه معه أو ردا على أسئلته..كل ما كان نصائح وتوجيهات كما سماها هو (من أيام السبعينات..يعني لما كان عمو في الكلية)

طالت الخطبة ومل الجلسة..لأيس لأنه في المسجد..ولكنها المرة الاولى في حياته التي يشهد فيها جمعة كهذه..كل ذلك كان يفعله من أحل أن ينصرف الوقت وتتوه الأفكار من رأسه وتضيع من خياله حتى يأتي يوم السبت ويقابلها ويسمع منها..لكنها أوقات الإنتظار أطول لححظات العمر..

بعد الصلاة استأذن عمه وعاد وحده إلى المنزل.. وجد عمتاه هناك..يالله كل الملل..ابن عمته أسامة..صاحبه لغرفته..جلس يبادله الأحاديث..وهو يرد عليه ونفسه بداخلها نار لا تنظفئ يريد إخمادها لكن السأم يأبى عليه هذا..شيئ يثير النفس..

مرت ساعات اليوم ثقيلة وأحداصه بطيئة..حتى جاءت ساعة النوم..وضع رأسه على الوسادة ..لأم يجد نوما..قام متأففا يقول..كنت أعلم أنك أيتها النفس اللئيمة ستعافين النوم هذه الليلة ولكن على من..وأخرج من درجه علبة دواء منوم كان قد جلبها من الصيدلية إحترازا لهكذا أمر فقد جرب الأرق قبل ذلك وقلبه على حرارة الألم..أخذ حبتان مرة واحدة..وغاب في ثبات عميق لا يحرك فيه ساكنا أبدا..

مر الليل..وشطعت الشمس ..ودخلت من خلف ستائر حجرته لتملأ المكان ضوءا شديدا وحرارة..وما يزال هادي نائما.. يبدو أن الحبتان قد أصرتا بشدة..

دخلت آية ساحة الكلية .. فعلت بنفسها يومها ما لا تفعله عروس يوم زفافها..صعدت المدرج..تنتظر وتنتظر..لكنه لم يأت بعد..انتهت المحاضرة الأولى ولم يأت..ألثانية كذلك.. تأففت بشدة..يالله لم تأخرت يا هادي..ربما لن يحضر اليوم..كيف ..أنا أعرف أنه ينتظر تفسير كلامي.. ربما جرى له أمر ما.. لكنني لا أعرف رقما خاصا به لأتصل عليه.. ظلت تتبادل الأحاديث مع نفسها دون جدوى.. تذكرت الآن..أعرف مكان بيته..سأوكل أحدهم بالذهاب والسؤال عليه..وإن كان بخير ولم يات فلأسحبن كل ما نويت أن أقول..وإن كانت الصانية فلأزيدنه منه كما يحتاج الأمر..

مازال هادي نائما..طرقت أخته الباب عليه..تعجبت منه لم يصحو كعادته باكرا ليذهب للكلية..فتحت الباب وجدته نائما..نادته..لم يرد..ونادت ونادت والنتيجة واحدة ..لا يرد..هزته..كذلك لا يرد.. نادت أخيها الأكبر بسرعة..هادي لا يرد ..لأا يصحو أهزه ولا يستجيب.. حاول هو كذلك لكن الأمر فعلا كما قالت..

اتصل بالإسعاف فورا..نقلوه للمستشفى.. عملوا له الفحوصات اللازمة.. وفي غرفة الطبيب.. هادي قد تناول جرعة زيادة من مخدر..تفاجأ أخيه..لكنه لا يتناول مخدرات..أعلم ذلك ..حبتين من المنوم جرعة زائدة يقال عنها مخدر..لا تأخذ إلا في حالات معينة.. قد تناول هادي حبتا منوم..لم؟ يالله..

وصل من كلفته آية بالسؤال عن هادي إلى بيتهم..أخبروه أنه في المستشفى..وعاد إليها وأخبرها بالأمر وبعنوان المستشفى.. فزعت من الخبر.. انتظرت الليل على أحر من الجمر..وعند المساء كانت آية على أبواب المستشفى تدخل وأخوه وأخته يخرجان منها.. لا يعرفانها ولا تعرفهما..

سألت عن مكان حجرته..الزيارة ممنوعة الآن..ولمني..أنا..من هنا وهناك وبأسلوب ما وضعت في يد الممرضة مبلغا..فسمحت لها بالدخول ولكن بسرعة كي لا يشعر أحد بذلك وأنا من سيضر.. ووعدتها أن لا تتأخر..

دخلت ىية الغرفة..وجدته ممددا على السرير..المحلول معلق له..وهو في ثباته.. اقتربت منه.. لمست يده..جلست حتى صار فمها في أذنه..همست فيه بكل حنان ورقة.. ما بالك يا هادي..كلمتان أوديتا بك.. أقئن سمعت الأهم ما تفعل.. ثم حاولت التحدث بما في نفسها..عله يسمع ما تقول.. وفعلا تحدثت..احبك يا هادي..نعم أحبك ولم أخجل من الحقيقة..هذا ما في قلبي لك..لقد سكنت من أول حديث معك بين أضلعي..ملأت جوانب روحي..استيقظ يا هادي أرجوك..أنا آية..ألا تحبني أنت أيضا.. وهي تتحدث سالت دمعاتها المترقرقة من أجفانها..يقطت على كف يده..قليل من الوقت وفتح عيناه.. ليجدها إلى جانبه.. دهش ..حاول التحدث..الآن فهمت قصدك يا آية.. تكلمت..نعم أحبك يا هادي أحبك..

يا ترى ما قصة آية الجديدة هذه مع هادي..وما حاله بعد ذلك؟ وهل سيبادلها هو نفس الشعور أم أنه...

 
') }else{document.write('') } }