ســـــــهـــــــام...

شيء من داخلها يناديها..لا بد أن ترحل الآن.. لكن المحاضرة لم تنته بعد..تستحي أن تأخذ إذنا من المحاضر خشية أن يحرجها.. فجأة وبدون مقدمات رأتها أعين زميلاتها تمر من وسطهن حتى وصلت باب المدرج ..خلسة فتحته وانسلت هاربة.. أخرجت هاتفها..يالله ثمان مكالمات مفقودة..هو ..تأوهت وبخطوات سريعة تمشي وهي تقول (هيخرب بيتي)..أوقفت سيارة أجرة وطلبت منه أن يسرع وما شاء ستعطيه إياه.. وفعلا سبعة دقائق وكانت أمام العيادة..حاسبت السائق وأسرع من البرق كانت على باب الغرفة تطرقه..أخبرتها الممرضة أنه مشغول في حالة ..لكنها لم تأبه..فتحت الباب و دخلت ..صرخ يحسبها الممرضة..وجدها هي..تركها تدخل.. معذرة سهام انتظري على مكتبي ريثما أنهي ما بيدي.. لا بأس سأنتظر..

جلست على مكتبه وأمسكت هاتفه تلعب به..أنهى ما بيده وخرج المريض.. لم تأخرتي ؟ميعادنا منذ ساعة إلا ربع.. حبيبي لم يحدث شيء.. من الأساس أنت مشغول.. عندما اتصلت بك لم يكن لدي حالات كنت سأخرج.. الآن من رأيتي في الخارج أتو حالا.. وبتنهيدة عالية.. حسنا الآن اذهبي إلى بيتكم وعندما أنهي ما بيدي سأتصل بك .. , لن نخرج اليوم.. لا أعرف..سهام افعلي كما قلت.. وداعا..

ثار قلبها من طريقة كلامه لها.. استفزها بشدة يتكلم ببرود شديد بعدما كان يتشوق فقط لرؤيتها أو الحديث معها.. تركته وذهبت.. ودموعها تأبى أن تسيل حتى وصلت إلى سريرها وبدأ البكاء يفجر كل آلامها..هذه ليست المرة الأولى ...قد تغير كثيرا معها الفترة الأخيرة.. هو يكبرها بست سنوات..دائما ما تقول لنفسها هو أكبر ويفهم أكثر..يحبني نعم..لكن عيادته لعمله..تحاول أن تقنع نسها بهذا.. وعادت لبيها..

مرت ساعات اليوم ولم يتصل وكلما حاولت أن تتصل..الهاتف مغلق.. احترقت ألما أكثر..ليس بيدها شيئا تفعله..سكتت .. لا يعرف أحد من أهلها الأمر.. ظلت جالسة على سريرها كالقرفصاء..لا تنطق.. ولم يتصل طيلة اليوم..مر الليل طويلا ثقيلا..أرهق عينها البكاء وأحرقت نفسها الآلام..

تحبه بطريقة جنونية.. كما لو كان روحها التي تسكن بين جنبيها..تحب ضحكاته لمساته..همساته..تحبه حتى ولو صرخ عليها.. ولو ضربها يوما فستحبه أكثر وأكثر.. تعشقه بكل حواسها ..

بقيت هكذا حتى مضى الليل الكئيب ..قامت تصلي الفجر..ما إن خرجت من غرفتها..حتى سمعت هاتفها يدق عادت سريعا..وجدته قد اتصل وما لبث أن أغلق.. (رنة) تبسمت ابتسامة عريضة.. هو بخير.. وما زال يتذكر.. ثم عادت فقطبت وجهها لأنها اشتاقت إليه..لصوته لكلامه..حاولت أن تتصل لكن دون جدوى فهو لا يرد أبدا.. عادت وقامت تصلي.. قضت صلاتها.. وانتظرته يتصل..لم يفعل..أتصلت هي أكثر من عشرة مرات..أخيرا ..ألو.. ازيك يا سهام.. صدمت من الصوت.. ماذا حدث؟ ما به صوتك حبيبي..؟ تكلم ..انفجر بالبكاء ولم ينطق بحرف حتى مرت دقائق كثيرة..انتهى رصيد هاتفها وانقطع الخط.. كالمجنونة..أخذت غطاء رأسها .. وخرجت مسرعة تشتري بطاقة شحن..

تبحث عن أي مكان..سنترال أو حتى بقالة.. تجري دون أن ترى أمامها..حتى وصلت عند تلك البقالة في أحد الشوارع الجانبية دفعت وأخذت البطاقة وبأسرع من البرق أعادت شحن رصيدها.. وعادت مسرعة كما ذهبت واتصلت مرة أخرى..

(إياد حصل إيه قولي الله يخليك متحرقش قلبي أكتر... مفيش يا سهام مفيش خلاص ريحي بالك انتي.. ) دمعت عينها دون سابق إنذار..(حبيبي إياد فيه إيه قلي ربنا يخليك مش احنا واحد قول) (ومش هتزعلي يا سهام) (قول خلصني والله ما هزعل منك يا حبيبي قول بأه) فبدأ يحكي..(إمبارح جاني كشف منزلي بعد ما إنت مشيتي..قلت هروح وبعدين مش راجع العيادة وأكلمك ونخرج سوا..الكلام ده كان حوالي الساعة ثمانية ونص تقريبا..المهم رحت.. ) ثم سكت وانهار بالبكاء..(كمل يا إياد ها جرى ايه المريض مات يعني ولا ايه) (المهم رنيت الجرس فتحتلي وحدة شبه الشغالين..فقلتلها ستك فين ..قالتلي طب بس ادخل وأنا هقولك..دخلت..راحت على إنها تشوفلي طريق أدخل للحالة .. وفجأة فتحت باب الأوضة وخرجتلي بشكل تاني تماما غير الي فتحتلي بيه الباب..عرفت بأه إن ده ملعوب..مقلب يعني عشان تسحب رجلي عندها..جمال ايه وريحة مش عارف كإنها خدرتني..طار عقلي ومعرفتش أقف)

كلماته تنزل على قلب سهام كالسكاكين تقطع قلبها وأحشاءها..لإنها تعرف البقية ..ظل يكمل وهو يبكي حتى أنهى كلامه.. حاولت أن تهدئ من بكاءه وهي نفسها تريد أن تبكي بحرقة .. تكلم هو يحاول أن يقنعها أن هذا حدث رغما عنه ..وهي تقول.. (أنا مش زعلانة يا إياد عارفة والله إنه غصب عنك) ثم ضحكت معه وراحت تحاكيه كي تغير تلك الكآبة التي انتابته.. وأغلت الهاتف وانفجرت هي بالبكاء تسب في نفسها وتلعن ضعفها الذي جعلها تكتم حرقتها وتظهر سماحها له حتى دون أقل معاتبة..

للحكاية بقية

جــمــر ونـــار

جعل يتحرك على مهل بين تلك الجثث المنثورة كحبات الرمال على الأرض..يسأله صاحبه هل هو هنا ؟ ليس هنا.. ويتجول مرة أخرى..دموعه تأبى أن تنزل من عينه..السماء تقرقع ..تمطر صواريخا حية.. مازال القصف مستمرا..وما يزال هو يبحث عن ولده.. يغيب بين الجثث وصاحبه يراقبه من بعيد..حاله يقطع نياط القلوب ودمعة واحدة تأبى أن تذرف من جفنه..

اتصال هاتفي..نعم من المتحدث.. ليس إنذارا بل أمرا بترك البيت.. سيقصف حالا.. لن نرحل عنه لو قتلتمونا داخله.. تلك كلمات هم لا يفهمومنها..سيقتلوكم داخله ولن يأبهوا..يدعون أن هذا حقا لهم..يريدون تنظيف القطاع منكم كما يقولون.. دقائق قليلة تمر.. وقصف المنزل.. صاروا بين مئات الجثث ..انضموا إلى قافلة الشهداء ليلحقوا الركب الصاعد لرب السماء..

وهو يخرج من مبنى الإدارة العسكرية..استهدفوه.. وقذفوا ذاك الصاروخ.. أودى بحياته وهذا ما يريدون.. بداية يقولون أنها ..فماذا عساها تكون النهاية.. بحر الدماء المصبوبة..وأصوات القنابل المريعة وسيارات الإسعاف التي لم تعد كافية.. ورجال الإنقاذ الذين أضناهم مايفعلوا دون جدوى..

وفتح المعبر.. أوهي خطوة للحل..أم خطوة من المخطط ؟ يكفينا ذلا أن نقول أنهم حكام..هم خونة باعوا الوطن من أجل الفلس..خشوا العدو ولم يخشو ربهم.. كفانا مهانة ان نطأطئ ونستكين فلن يصنع الذل جيشا.. لن يبني حطام الأمة.. ولن يصلح لها حالا..

تفتح المدارس أبوابها.. ويبدأ القصف بكل عنف وشراسة..ليلقى الأطفال صرعى وشهداء.. يارحمة الله اغمريهم..ويا لعنة الله صبي على عدوهم اللعين..حسبنا الله ونعم الوكيل..

حسرة علينا ..عروبتنا لن تنفعنا فقد خناها.. شجبنا واستنكارنا لم ولن يجدي بشيء.. وامعتصماه.. هو هذا الذي تريده غزة.. وكل الشعب الفلسطيني.. أوَ نبخل ونضن على الله بروح هو من أعطانا إياها.. ليس بخلا..إنما خيانة..للدين و الشرف ..وللأمانة.

هي ساعات عصيبة ستمر..وبربكم سيسجلها التاريخ بمداد من عار على صفحاته..حينما تقرأ الأجيال بعدنا.. خانوا وفرطوا فاستبدلوا.. هي سنة الله في الأرض ولن تتغير أبدا..

أعانكم الله يا من تموتون برصاصهم ومدافعهم..يا من تمطر سماؤكم صواريخ ونحن ننعم بأمطار الحياة وونام ملأ جفوننا وكأنكم لستم من بني جلدتنا وأبناء ديننا.. في حفظ الله وأمانته أيها الشعب المناضل.. وإلى رحمة الله أيها الشهداء الكرام.

العـجـــوز وأنـــا

دائما ما أراه متحلفا السماء متوسدا الأرض..ثيابه التي عليه كأنه استعارها من زمن بال ليرتديها..في ذاك الجانب وتحت نفس الشجرة..أجده يجلس.. يتحرك زحفا ولا يسأل أحد شيئا.. ذات مرة رأيته بعيني يقطع طريق السيارات زحفا كعادته ووحده لا يساعده أحد..خشيت أن يصيبه مكروه..كنت أتابعه يوميا عن بعد لم أرد أن أتطفل عليه وأحاكيه. لكن في ذلك اليوم قررت أن أفعل..

انظرته حتى عاد لظل هذه الشجرة بعد أن بدأ المطر يهطل بشدة..وصلت عنذه وجدت الأرض قد أخفاها الماء وهو يجلس..لم يكلمني..قلت ربما لم ينتبه..أيكون أعمى..حركت يدي أمام عينه فتكلم..ماذا تريد يا بني اذهب إلى بيتك الساعة..الأمطار ستزداد أكثر وأكثر.؟قلت له..أريدك أنت يا عم.. قال لي بكل عجب ونبرة حديثه معجونة بالأسى ..وما تريد مني..؟ من رجل قعيد لا يقدر على شيء أظنك لا تخرج بشيء..قم وأرحل عني..انتبه كي لا تبتل ملابسك. تألمت حينها كل ألوان الألم التي خلقت.. وجئت على نفسي وجلست جانبه والمطر كما هو.. وأخذت أتحث معه.

حكايته أحرقت قلبي فأصبح هشيما تزروه الرماح.. قال لي اسمع يا ولدي.. لدي من الأبناء أربع..بنت واحدة وثلاثة شباب..كنت يوما في كامل قوتي..وجاء الليل علي وأنا بهذه الحال..لم أسأله كيف تركته وشأنه.. وتابع..

مرضت قليلا قبيل العصر..زعم أحدهم أنه يعرف ما علتي ..سريعا كان عندي وحوله إخوته..قال إنها إبرة مسكنة وسيزول كل شيء سريعا.. وفعلا زال كل شيء..صحتي وقدرتي على السير ..حتى يداي توقفت إحداهما..بعدما نمت قليلا..صحوت لأجد نفسي هنا.. لا أعرف لم وكيف وما فعلت بهم كي يكون مصيري هكذا..أفنيت شبابي كله في الكد والتعب حتى حققت لكل حلمه..ذاك زوجته من فتاة أحبها..والآخر أعطيته إدارة شركة كان يحلم أن تكون له..ثم بكى وبكى ولم يستطع أن يكمل..

حاولت أن أواسيه وأهدء من حاله.. لكنه سكت وظل يبكي ويبكي ولا يرد لي جوابا لأي شيء لا ينطق إلا كلمة واحدة..أتراني أب جاحد؟ ذهبت عنه بعدما حركت آلامه التي لا يمكن أن تظل ساكنة أبدا.. جعلت أتصور حاله قديما والآن ولساني لا يقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل في هكذا أبناء.. فكرت قليلا ..ثم وجدتني أقول لنفسي أويكون قد فعل هذا بأبيه..ربما وربما يكون أبناءه من طينة إبليس.

الوجه الآخر للموت

ليست امرأة عادية..هي الصديقة والشقيقة..بحر ونهر.. اختلط ماءهما فصارا واحدا على غير الطبيعة.. لا يمكن أن تحلم إحداهما بحلم إلا والأخرى تشاركها..و ها هي حياة إحداهما يغتالها الموت خلسة من بين أحضان الآخرى لتبقى تلك وحيدة ما بقي لها من عمر.

صورة ما زالت تقبع في ذاكرتي..صورة وداعها لها يوم وري جسدها الثرى..منابع من الحزن والألم ..خنجر من الأسى يقطع أحشائي حين كنت أرى هذا الموقف.. ابتداءا بتلقيها للخبر وحتى عادت إلى بيتنا مرة أخرى.. هي جدتي..والمتوفية خالة أبي..لم أر حزنا على فراق من قبل بهذه الصورة التي قتلتني وأنا حي.. لم تجف دماعتها لكنها لم تصرخ كما يفعل الجهال من الناس وإن كانت لم تتلقى تعليما بصورة واسعة..

خشيت عليها كثيرا أن تتعثر في درجات السلم وهي ذاهبة إلى بيت أختها بعدما علمت ما كان.. أقسم أن هذا ليس حب أخت لأختها..إنما هي الروح الواحدة والجسد الواحد اقتلعت منه أجزاء كانت حياته تقوم عليها..

أكرهك أيها الموت..ولو تمت بك الحياة..عبارة سمعتها من أخي فصدقت عليها .. مفرق الجماعات وهادم اللذات.. أي شيء يعدل ألمه ألم الفراق ..لا شيء سوى الفراق وحده.

جعلت أضع نفسي مكان جدتي المتألمة حينا وجدتي المتوفاة حينا آخر..هل لو مات لي قريب سأكون بهذه الحال..؟ جعلت أتخيل وأصور لنفسي هذه الظروف البائسة.. لم يستطع عقلي أن يتصورها أبدا فهي جمرة موقدة من الأسى.. أما عن كوني مكان جدتي المتوفاه..فيومها أتمنى أن يتغمدني الله برحماته فلست متأهبا للموت لو ما فعلت من العبادات..

ولــدتك أمـك يا بن آدم باكــيــا والناس حولك يضحكون سرورا

فاجهد بنفسك أن تكون إذا بكو في يوم موتك ضاحكا مسرورا

فهل سنضحك يومها؟

و عــــادت إلــي الحــيـــاة

عندما انقطع ذاك (الكابل) اللعين وفصل معه قدرتي على الإتصال بمدونتي التي هي أنا على سطور.. كنت في حالة ضجر ..لكن وبعد أن دبت الحياة مرة أخرى في جسدي بعودته الحميدة أعود إلى هذا الحب الذي يتغلغل في أعماق قلبي من زمن..الكتابة بكل صورها..خاطرة كانت أو قصة..وأعود لأجدكم تنتظرون جديدي ..قريبا جدا سأضع ما خطه القلم ونزف به الحبر في الفترة الماضية.. قصة بعنوان..(الوجه الآخر للموت) صورة حية لأيام عشتها قديما وفي هذه الأيام ويوما ما سيعيشها غيرنا عندما نكون نحن الوجه الأول للموت.

ســـأجــدد حياتـي..وأنــتــحـر

اليوم قررت أن أحيا حياة جديدة..أغير كل ما في نفسي..ما بداخي وما أعيش فيه..عالمي وكياني.. لكن الأمر يحتاج لتهيئة ذاتية.. لذا فقد عزمت أن أنتحر.. ليس انتحارا بالموت غنما بقتل ما بقلبي.. ذاك الذي كان أجمل شيء في حياتي.. تلك المشاعر التي أضحكتني وأبكتني.. آنستني وأبأستني.. هي الحب..ليس كل الحب إنما حبها هي.. هي التي كانت ..وأفتح بوابة قلبي لعشق جديد يرويني..أستنشق فيه نسمات شذا جديدة وأرى فيه لونا آخر.. وها هو قد حل وجاء.. حاولت أن أمنعه لكنه استقر قبل أن يخرج صاحبه.. تعذبت كثيرا من صراع الألم القاتل والرغبة في خلق مشاعر حديثة داخل قلبي.. لكنني الآن قد استقر بالي وهدأت نفسي..

لن أبيع الماضي وذكرياته..لكنني سأجعلها ذكرى جميلة وأبني عليها حاضري وراحة قلبي.. سأعيش الحياة بكل الطرق..المهم أن أحياها حتى تنتهي..لن أبذل فيما يضن علي القدر به جهدا للحصول عليه..سأسير في اتجاه الريح كي أصل إلى ما أريد..

أتمنى أن أستطيع العمل بما أقول ..فقلبي يناديني ويقول.. لن تستطيع..لكنني سأقاوم..سأحاول ..سأسعى من أجل أن تكون هي صرحا شامخا في قلبي..أنقش عليه..حبيبتي للأبد..وأترك الماضي تحت هذا الصرح..جذرا قويا يدعمه ويقويه..

هـــكـــذا أنـــا الأن

عندما يملأ الألم جوانب قلبي..عندما أشعر بشجرته تمد جذورها في أحشائي تغتال كل فرحة عشتها.. عندما أحاول أن أبكي ولا أستطيع..عندما أشعر بصدمة قاتلة وأظل واقفا أشعر بسكين الألم تقتلني ولا أموت..حينها أكون أنا الآن

ليس ألما كأي ألم ..ليس جرحا كأي جرح ...إنه شبح الحزن الذي تلبس بي ليشاركني بقية حياتي..إنها الأوهام والأفكار البئيسة التي نبتت في عقلي لتدمر كل خلاياه.. إنها أقسى أيام العمر وأصعب لحظات الحياة..هكذا هي حياتي الآن..

قد أبت الأيام أن أظل باسم الثغر مرتاح البال..فاقتلعت كل حياتي مني.. سحبت مني ما كنت أعيش له ومن أجله..انتزعت الإبتسامة من ثغري بعد أن كنا سويا نهمس ونضحك.. وليتها قضت علي بعدها..تركتني أتناوب بين أنواع الألم وأصناف العذاب..أتجرع المرارة وعلقم الفراق.. هكذا أن الآن.

عندما أكون في ضغوط حياتي وتكون نفسي ساهية لا تبالي..أكون حينها أتألم وأحترق كمدا وعذابا.. هكذا أنا الآن

عندما يحرمني القدر شيئا عشقته..حينما أرسم الإبتسامة الكاذبة على وجهي..حينما تفضحني آهاتي وأناتي.. حينما أرى مسلسل ذكرياتي في المنام..أكون أنا هذه الأيام

الوقت الذي يمر..يمضي من حياة الناس ..ويبقى أكواما من العذاب والمرارة متكدسة في قلبي..لتكون غذاء جذور تلك الشجر ..حتى يوم أن يستقيم عودها تقطعني أشلاء لتزهر بدمائي وقهري زهرات الألم على رفاتي..هذا هو أنا الآن

وصيتي بعد أن أموت..انقشوا على ساق هذه الشجر وورقها ورقة ورقة.. قد أحببت يوما وصدقت..أخلصت ووفيت..لكن حسن نيتي انقلب علي.. ليس حبا أن تسمعها بأذنك تقولها.. الحب أن تراها بعينك داخل قلبك ليس فقط أن تشعر بها..

ليتني أركب سفينة الحياة فتجري بي لآخرها كي ينقضي كل شيء ولا أبقى بحالتي التي فيها أنا الآن

سلام على أهل القلوب .. سلام على الثقة والوفاء.. سلام على التسامح والعشق والإخاء

نبض يؤلمني

(1)

لا أدري أين تختبئ الذكرى الأليمة حين يكون القلب في زهوة فرحته..أين تكمن تلك الآلام التي تخرج يوما..ولابد أن تخرج حينا..العجب أنها تسكننا ويسكننا الحب في آن واحد.. تعلمت من حياتي أن أي لحظة حب أعيشها سأعيش بعدها ألما ومرارة وذلا..

(2)

تذكرني ألحان الموسيقى بأعذب أيام العمر لكنها الآن تكويني ألما ومرارة .. كنت قد تركت الموسيقى وسماعها لكن القلب عندما انهار بنيانه وسقط صريعا اجتمعت عليه شياطين الحب تعزف على رفاته موسيقى الحزن التي توقظ الذكريات.. رأيته يجمع أشلاءه كي يعود حيا..خاطبته لا تفعل مت كما كنت.. لكن كيف..هو القدر الذي شاء أن أتعذب وأعتصر ألما..

(3)

كلمات الحب التي تلفظها لساني..كلها تأنبني وتلومني على ما جرى أو كنت أنا ذاك السبب أم كان الذي حدث هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون..أنا أعلم أن الحب مملكة عاشقين لا يتخلى أحدهما عن عرشه مهما كان وإن قتله الآخر فليمت على عرشه..أما من يتخلى بهذه السهولة فلا يستحق أن يسكن هذا العرش من الأساس..

(4)

معي رسالة قديمة منها هي صورة معاكسة لما نحن فيه الآن من بعد وهجر وفراق.. كتبت فيها أعذب الكلمات وأرق الأمنيات.. رسالة أخرى بخط يدها ..مازالت رائحتها متشربة بالورقة..هي ليست كأي ورقة ..هي جزء مني.. يحترق قلبي كلما قرتهما.. تسيل عيناي بدموع تنهمر بغزارة إذا رأيتهما فقط.. الذكريات تقتلني حتى لم يعد في جسدي قطعة إلا وتأن ألما..

(5)

هكذا قالت لي يوما...أحبك.. وهكذا قالت لي اليوم.. أكرهك..نعم قالتها..أعلم أنها غير صادقة فيها أبدا..لكنها خرجت منها..تريد أن تمحيني من حياتها .. لا أدعي البراءة لنفسي لكني لو مهما حدث ما كنت أفكر أبدا في تركها ..قسما بربي لو فعلت بي أبشع ما يمكن ..كنت سأبقي عليها أعالج ما فيها بعشقي لها..بنبض حبنا..لكنها للأسف تخلت عني في أكثر أوقاتي حاجة إليها..وتركتني أضيع..مع ذلك أتمنى أن تعود..لكن هيهات..

(6)

أعلم أن الجرح عميق وأني مخطئ في حقها..وليست المرة الأولى كما تقول..لكني أحبها..ليست إهانة لها أن تسامحني.. ليست مأساة إن تنازلت هذه المرة..لكن يبدو أنها عاهدت قلبها أن تقسو بكل ما أوتيت من قوة..إن أرادت أن ترحل لم تفعل ما تفعل بي؟ لم تصر على تجريحي أكثر وأكثر..

(7)

أعلم أن خدها الرقيق لم تتوقف تلك الدمعات البريئة من جريانه عليه..أعلم أنها مجروحة بشدة.. أشعر بها أحس بألمها بنبض قلبها..وأتألم معها ويعلم الله كم أعاني.. هل يعلم أحدكم لم تفعل معي هذا؟

(8)

قد علمتني أشياء كثيرة..عادات تعودتها أفعلها من أجلها..فقط لأن قلبي يعشقها.. لم أكن يوما أستطيع تناول كأس الشاي أو أي مشروب ساخن دون كمية كبيرة من السكر.. يوم أن عرفتها استبدلت ذاك السكر المصنوع بحلاوتها هي ولم أعد أتذكر مذاقه أصلا..

(9)

لم أكن أهتم في حياتي بشيء مطلقا..ويوم عرفتها أصبحت هي كل حياتي التي أهتم بها.. أوَ أُ لام على ذلك؟ بالله خبروني كيف لي أن أنسى؟ كيف أنساها وهي الحنان والبراءة والأمان.. الدفء وكل الحياة هي.. قسما بربي سأجن ..حتما سأكون في عداد المجانين بعد أيام إن لم أكن قد صرت منهم.

(10)

أأسبوعا مضى أم أربعون وأياما نأيتم أم قرون

دهتنا بعد فرقتكم ليال نكاد نرى دقائها سنين

أخيرا..

أتمنى أن لا تملوني..أرجو أن تتحملو ما أكتب هذه الفترة فأنا أعاني بشدة ..ربما أجد من كلامكم ما يريحني..

 
') }else{document.write('') } }