ثورة 23 طوبـ(ـار)

حينما تحصد ثمار فرحة ما في نفسك ، تراها تشع من عينك بريقا يلمحه الكل جليا ، هكذا تكون لغة العيون وهكذا يفهمها أرباب النفوس المرحة التي تسعى ألا يكون ديدنها بئيس على الإطلاق .

في الأيام التي نعيشها اختلافات حتمية ، لكنها طفيفة لا ترقى لتُغير فينا شيئا ما لم نساعد أنفسنا لنجعلها اختلافات جذرية تحيل الروح من حال لحال ومن سياسة لسياسة أخرى ، حتى القلوب تحتاج إلى مساحة من الوقت ترتاح فيها من عناء الحياة ومن عناء من تحمل همهم داخلها .

حاولت أن أجعل إحساسي كتلك الساعات التي قضيتها يوم كنت في رأس البر ، اقتربت من ذات الشعور لكنني لم ألمسه كما كان يومها ، إلا أن اكتساب النفس معارف جديدة وصداقات مختلفة جعل أمامي بوابة فتحت على مصراعيها ليدخل منها الجمال على نفسي ، وإن لم أركب النيل أيضا هذه المرة .

عروس النيل كانت هي محط الأنظار وملتقى الوفد اللطيف الذي أتانا من دمياط وقاهرة المعز وأطراف الدقهلية و الباسلة بور سعيد ، أسعدني الحظ أن كنت أول من وصل إلى مكان التجمع أمام بوابة المستشفى ، جعلت أتحسس الوجوه التي تجوب المكان بحثا عن ملامح أعرفها علها تكون في قائمة الوفد المنتظر .. قليل من الوقت و حضرت أولاهن صاحبة الحلم الـ"صغنتوت" وإن كانت أقربنا إلى المكان إلا أني أيضا سبقت الكل .. تلتها ندى الياسمين مع ابنتها ، ثم ما لبثنا حتى حضر الرحيل إلينا بابتسامته الرائعة الرائقة يصبحها زوجها، ( تسبيل بأه وحب وجو عالي و أنا يا عيني ماشي لوحدي .. تتهنوا يارب .. تتهنوا يا أختي ) .. شيئا فشيئا واكتمل الذين قدر لهم الله أن يكونوا رفاقنا هذا اليوم .. من أهل القاهرة الكرام كان لنا شرف بمصاحبة الأستاذ شرين و القوس قزح أضحك الله سنها دائما .

بَدَأَت أولى خطوات الثورة .. تبرع الدم في بنك مستشفى الأطفال الجامعي ، أنا ما شعرت في حياتي أبدا برغبة في الخروج من مكان قدر ما شعرت يوم انفتح في وجهي ذلك الموظف الحكومي ( طبيب الغفلة ) مرغبا إياي في التبرع شارحا لي فوائده و عظمة أجره ، كأني امرأ لا يفقه مثلا أن ذلك من الصدقة الجارية وما إلى ذلك مما قال ، ما نسيه هو أن الصدقة إن خرجت من نفس صاحبها طوعا قبلت ولو خرجت كرها فمكوثها في جيب صاحبها أصلح .

السبب الذي حير الجميع وأطار أبراجا من عقولهم حول عدم رغبتي في التبرع وإن كنت مؤثرا أن أسره في نفسي إلا أنني أراني وقد صرت سخيفا أمام الجميع مضطرا للبوح بشيء منه ، ذاك أني مذ كنت صغيرا و شم العرانين أنفي لا تكف أبدا عن أن ترعف ليل نهار دون سبب يذكر ، حتى يومنا هذا لا يمر علي يوم إلا وينقص من دمي ما يعدل تلك الكمية التي يتبرعون بها تقريبا بسبب مشكلة في الجيوب الأنفية قدر الله علي أن تصاحبني حتى يقضي هو قضاءه فيها ، و دون خوض مطول في تفصيلات الأمر وماهيته إلا أنه لا يمكنني أبدا أن أفقد أكثر مما أفقد ، ليست فلسفة من عندي ولا قولا أتحجج به إنما هي نصيحة طبية ، بعيدا عن ذلك كله .. أنا إن رأيت في نفسي يوما قدرة وقوة على العطاء بقطرة واحدة من دمي فسيكون ذلك دون أن يفتح لي مثل ذلك الموظف موشحا طويلا عريضا دون أن يعي ما وراء رفضي .

انتهت أخيرا مرحلة التبرع .. رافقتنا الشمس بعدها حتى النهاية ، اخترنا مقهى مكيفا جلسنا فيه حتى حانت الجمعة ، كانت جلسة رائقة ممتعة انفتحت فيها حوارات من كل حدب وصوب بين كل الأطراف ، ختمناها بعد الجمعة بألحان فنية فائقة الروعة شنف بها أسماعنا هيثم محفوظ ، ذلك الصديق الذي اكتسبته جديدا ، أعترف أني كنت سخيفا بعض الشيء حين أثقلت عليه بطلب لحن لعبد الحليم لكنه المزاج حين يحكم .

لحقتني عدسة ليسناندرا طبعا في كل فقرات اليوم طلبا مني و في لحظات سهو وتجل أيضا ، أجملها ما كان في المطعم بعد أن خرجنا من المقهى .. الغريب أن ذلك المطعم وإن كان جديدا لم يمض على افتتاحه أكثر من 24 ساعة إلا أن شيئا ما لا أعرف ما هو جعلني في شعور مبهم فسره لي باب دورة المياه الذي حبس رفيقنا محمد الغرباوي بعد أن أمضينا وقتنا وطعمنا أكلنا وقررنا الرحيل .

ساعتين تقريبا على تلك الطاولت الحمراء .. تحت صوت الموسيقى ولجلجة الجالسين و مشاهد التلفزيون الصامته ، ولقطات العدسة السحرية لي بين حين و آخر .. كان وقتا ممتعا ، لكن ينقصه شيء واحد .. لا تعرفه إلا نفس واحدة فقط هي تلك التي تسكن بين جمبي .

كان مقررا أن نستقل مركبا نيليا بعد ذلك ، خاصة و أننا ما أعددنا هذا اليوم إلا جبرا لنواقص يوم رأس البر سواء كان نقصا بشريا في الحاضرين و تلبية لرغبة البعض أو نقصا امتاعيا من حيث مركب النيل ، إلا أن القدر شاء ألا تلبى رغبتي تلك هذه المرة أيضا .. ببساطة لأن ساعة واحدة كانت ستكلفنا 300 جنيه بعد أن كنا نستأجرها بـ50 جنيه فقط .. كفانا الله شر الجنان المستعر في نفوس الناس ( صيف بأه والناس على ودنه يعني لو احنا مركبناش مليون غيرنا هيركبوا ) .

أخذنا أخيرا بعبارة قالها رفيقنا ابن محفوظ وهو يحمل عوده ممسكا بيدي " مبدأ منها وإليها نعود " ، وبعد أن أمضينا بعضا من الوقت في جولة مبهمة المعالم عدنا إلى مقربة من باب الحديقة التي أسموها شجرة الدر ، لا أعرف حقيقة أين الدر فيها ؟ ، وكان للأرض نصيب أن تستضيفنا آخر ساعت هذا التجمع الرائع .. ختمنا يومنا على ألحان الهيثم أنار الله دربه و شنف سمعه بكل خير ، وإن لم نكن ننوي الرحيل إلا أن العقد إذا ما انفرطت حبة منه انفرط البقية .. بين سلام المودع وتحية الفرحة باللقاء ومواعدات بين الموجودين .. كان ختاما أخيرا .. بعده حان ميعاد العودة .

جميل أن تقضي بين أصدقائك حينا من الزمن تدخل البهجة فيه نفسك .. لكن الأجمل أن تدخل أنت البهجة على نفوس من حملوك في قلوبهم بكل الطرق .. حبيبا أو صديقا أو حتى مجرد أخ صغير كنت أو كبير .

شكرا لكل من حضر .. أنرتم دروب عروس النيل وأبهجتم نفسي .. كانت ثورة نفسية جميلة .. أسميتها ( ثورة 23 طوبار ) تيمنا بذكرى ميلاد ثورة يوليو .. وبقية العنوان معروف أنه نسبة لصاحبة الدعوة .

أكرر مرة أخرى .. ( والله الي ما جه يوم راس البر خسر كتير .. لأ لأ لأ معوضتوهاش النهارده .. يوميها كان جو تاني .. كده ولا ايه يا الي كنتوا معانا يوميها .. ) .

نَصَيْن .. ملهومش دعوى ببعض !!

دوريتوس !!

لا أعرف منشأ تلك العلاقة القوية التي ثبتت جذورها بيننا ، أكاد لا أتذكر جيدا متى و لا أين ومن الذي دفعني لذا العشق الخرافي المجنون ؟ ، ما أدركه جيدا أنني أبذل ما بوسعي كلما نادى المنادي وحان أوانه .. فورا أجيب النداء ، مثلثات الدرة اللذيذة ( دوريتوس ) ، غرام أبدي خلق بيني وبين نكهتها الخرافية ، حينما رأيتها لمتي الأولى لم يسل لعابي إطلاقا إليها ، إنما اشمئززت كثيرا من هيكل تلك المثلثات ، خاصة لما رأيت يد إحداهن تلونت و صبغت بتلك البقايا التي تجمعت في أصابعها وهي تأكلها بشراهة غير آبهة بكل ما خلفته في يدها وعلى ملابسي يوم كانت جارتي في الميكروباص ، إلا أن العشق يولد في لحظة و ما من محبة إلا تلت عداوة سالفة .. من الذي ساقني لتذوقه ؟ لا أتذكر .. لكنني أشكره كثيرا .. مثلثات الدرة ( دوريتوس ) اللذيذة .. تأخذني إلى حيث كانت حتى لو اضطررت للسير مشاوير طويلة .. فقط للحصول على كيس الحجم العائلي .. ترى أهو السفه أم الجنون .. حتما قد أصابني أحدهما ؟

تاريخ !!

في حياة كل منا عدد من التواريخ التي لا تنسى ، أيام نتذكرها ونتقن جيدا التدقيق في أحداثها والعودة إليها كل حين ، هذا أنا .. قد سجل التاريخ في حياتي إلى الآن عددا من هذه الأيام ، أولها اليوم الأول من الشهر الثالث 2008 ، يومٌ تغيرت فيه معالم الحياة الروحية داخلي ، تبدل فيه استهتاري إلى اهتمام ، وتغير الحال من هدوء وركود وملل ، إلى صحوة وصفاء وجمال ، يوم عشقت فيه أنثى .. أذكرها دائما بكل خير ، ويوم آخر يعود بي أيضا لذكراها هو العاشر من الشهر السابع من ذات العام ، يوم خطوت فيه ايجابيا نحوها ، ولم أكن أدري أنها الخطوة التي سترسم بداية النهاية ، يوم ثالث كان لها أيضا .. لم يكن لي اختيار فيه أبدا ولا كان لإرادتي حكم أو انتباه أو قيمة .. إنما أرغمت عليه إرغاما .. هو الثالث من شهر ديسمبر من نفس العام ، يوم قررت روحها أن ترحل عني آخذة معها كل أحلامنا التي كانت قديما !!

مرحلة حياتية أخرى تبدأ بعد أقل من شهر .. الأول من يناير 2009 ، صفحة جديدة في سجل قلبي ، فتحتها لأنثى مختلفة .. رأيتها مختلفة في كل شيء .. طالت الأيام ، ذهبت بي وجاءت ، و كأنه كان حتميا علي يوم الفراق .. لا أدري أهو سوء الحظ أم الفشل أم أن الخطأ في أنا .. و أتى ذلك اليوم محملا بهموم الدنيا التي أثقلت قلبي وكاهلي وأطاحت بروحي في براثن الوجع ..

مضت سنة و أكثر بخير ما كان فيها وشره ، راحت بعدها الأيام وأتت ، لا أستطيع أن أعلن حتى لورقتي الآن عن أيام أخرى أنا فيها الآن .. عشت منها بعضا وأعيش البعض ولا أدري أتكون فيّ حياة وأعيش فيها أكثر من ذلك ، فلتبقى سرا محفورا داخلي حتى يأذن الله لها ولي أن نبقى .

شهيصة بلا معنى !!

( 1 ) لستة ما قبل الخطوبة

حدثتني يومها والضحك يخفي ملامح حروفها وبالكاد أتبين نص كلامها ، ذاك أن شابا موقرا تقدم لخطبتها ، في جلسة الإتفاق بعدما أناروا له العلامة الخضراء ، راح يملي عليها شروطه .. كأنها مثلا تتوسل إليه أن يتم هذه الزيجة الغريبة " من الآخر كده تقفلي المدونة كفاية تهييص مع الناس قوي وتلغي الأكاونت ع الفيس بوك واجنور ع الميل لكل الي ملهمش داعي .. أقولك أنا أعرف ألغي الميل ميهمكيش .. ماشي يا حبيبتي " ، ثم ماذا " يا إلي مقطع السمكة وديلها " ، هي لم توافق قطعيا على هرتلته السخيفة هذه ، حاول أن يخفف من سطوته " أقولك .. طيب ع الأقل يبقى بلوك لإبراهيم ع الميل والفيس ومتدخليش المجلة عنده ولا تكتبي فيها .. طبعا ده غير المخروبة كأني أتكلم " ، خيبك الله كما خيب ظنك وخرب عقلك وعمر مدونتي ، ضحكت كثيرا حينما سمعتها تخبرني بهذا الشرط العجيب " عشت وشفت .. بقيت في لستة شروط ما قبل الزواج ، يعني إلي عاوزة تتجوز تخلع من هنا " .. كفانا الله شر النفوس التي لا تثق حتى في نفسها .

( 2 ) ع الجبهة يا بلد ملهاش .. ايه !!

في ذكرى تحرير سيناء منذ أشهر " و مهواش عيد ولا بطيخ " كتبت على صفحة الفيس بوك " أرض الهرم والنيل .. والصحبة والمواويل .. علشان بلدنا ولا حاجة تغلى ولا حتى نعرف مستحيل .. " مجرد سؤال بريء .. " هل يا ترى ده كلام أغاني ولا احنا ممكن وقت الجد نسد بجد " ثم استدركت ساخرا من حالي " أنا عن نفسي هقف ع الجبهة ههههه " ، وجدت أن كثيرا من المعلقين يسخرون مثلي ، أصابني الإحباط بشدة فأكثر ما يدميني حقيقة أننا لو آن أوان الجد حتى لو أردنا أن نتصدى .. لن نجد في نفوسنا تأهيلا لهذا ، و لو كان أحدنا قد مكث في خدمته العسكرية خمس سنوات .. فماذا تفيده تلك البدلة العسكرية التي لونّاها بلون بدلة جيش الاحتلال الصهيوني " والنبي محدش يقولي مصر لسة فيها رجالة " ، فرجال مصر الذين شهدوا الجلاء أولا وانتصار أكتوبر ثانيا قد صنعتهم الجدية ، كانوا حقا خير أجناد الأرض ، أما ذكور اليوم صنعهم الهزل ، و إن كان نصا نبويا أن في أهل مصر خير أجناد الأرض ، فهاهم الآن مثلهم كتربة طينية تصلح للزراعة والحصاد ، لكنها مهملة .. فلا هي زرعت ولا حصدنا منها شيئا .. أفلا تبور ؟؟ هكذا هم خير أجناد الأرض الآن .. ولا عزاء لنجمة فوق كتف فلان ولا حتى لذا الطائر المعلق على العلم .. كان نسرا أو صقرا .. فسيغدو حينها عصفورا قصيص الجناح .

( 3 ) ويحكَ يا ابن أُم !!

زارني الملل مرة واحتشت نفسي مع السأم غيظا و عليهم زادت الهموم اكتراثها بروحي ، فسامني كل ذلك ارهاقا عقليا ونفسيا جعلني أزور براح " التهييس " ، أمسكت هاتفي وفتحت رسالة جديدة كتبت فيها " ويحك يا ابن أم .. سآتي لأبيت ليلتي في إحدى الغرف بفندقكم .. فأهب لي المكان .. ولا تنس الخمر والنساء والمكسرات " ، وأرسلتها لصديق طفولتي وقليل من الوقت يمضي وتصل منه رسالة " يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي .. ولا أقولك أنا هحلق دقني أصلا وهعمل حسابي في النساء والخمر معاك .. بس بالمناسبة المكسرات ايه موقعها هنا " ، لم يفهم أنني اعتدت من صنف الأنثى على " التنفيض والتسقيع " في كثير من الأحيان ، فلو أنهن " نفضن " لي فلا داعي للخمر إذا .. ولأضع غيظي في المكسرات ، وإن كنت أصلا ليس لي في الخمر ولا في ليالي اللهو والمجون .. إنما كانت مجرد لحظة تهييس .. أفلا أجد لدى أحدكم دواء يذهب عني تلك الحالة الكئيبة التي تنتابني كثيرا ؟

( 4 ) شقاوة لسان

" مزة .. صاروخ .. مكنة .. كاوتش .. تلاجة " ، لا علاقة لأي كلمة مع أختها أبدا .. لكنهن على ألسنة الشباب المهووس بـ" زوغان العيون " يتفقن في مضمونهن على رسالة موجهة واحدة ، كلمة " مزة " مثلا .. تعني تلك الفتاة الذي زادت على حسنها إغراء ودلالا نسميه بالعامية المصرية " مرقعة " فملأت أنوف الشباب بعطرها الفواح وشغلت أعينهم بمظهرها وليس بعيدا أبدا أن تشغل أوقاتهم بأشياء أخرى أقلها الصحبة وشتان بين الصداقة والصحبة ، أما الـ " صاروخ " فهي فارهة الجمال تتساقط الغربان عليها عنوة في كثير من الأحيان ، و سأسكت عن ترجمة معنى الكلمات الثلاث الأخيرة .. فلا تتسع حروف لغة القرآن لتفسير مصطلحات بيئية ضحلة كهذه .. وما سقتها إلا لأني وجدت كثيرا من الفتيات يفرحن بسماع تلك الكلمات ظانين أنها مدحا في الجمال ليس إلا ، وما درين أنها شقاوة إبليس على ألسنة بدلت ذكر الله بمعاكسة الفتيات .. أفلم ندرك حتى الآن أنه " وهل يَكُبُ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .. لطفا بأنفسنا وكفانا إيذاءً لغيرنا حسيا كان أو معنويا .

( 5 ) كلام ليل

كثيرا ما أشقيت هذا الهاتف المسكين معي كلما مرت بي فترة جنون جديدة .. فالمكالمات مستمرة ومتصلة ، ودائما أكون ( Connected ) ، مرة برغبة مني ومرة خوفا على " زعل فلانة وعلانة " ، حفظت عروض شركات الاتصال الثلاث حتى أصبحت عميلا ثلاثيا .. الغريب أن الأحاديث مهما كانت شيقة ، فالكلام يجف منبعه ويقل معناه إلا أننا دائما نكرر ما نقول ، سئمت هذه العادة السخيفة جدا .. وأغلقت هاتفي .. الآن لست متصلا بالعالم الخارجي كثيرا .. حتى على الانترنت بقيت متوحدا والناس من حولي أستطيع الحديث مع أيهم وقتما شئت ، وحدها غيرت كل هذا .. جذبتني من عالم الكل ، إلى عالمها وحدها .. هي فقط ، ولم يعد لحديث الليل مكان .. إنما هي أحاديث النفس المرسلة عبر أقمار العشق المسائية ، بلهجة غير التي كانت وحروف تختلف عن تلك التي يستعملها البشر .. أما المعاني فهي أكواد تفك طلاسم الجنون الغرامي الذي سكن نفسي لها .. فهل يا ترى تبلغ رسائلي مبلغها .. أم أن تلك الأقمار تملأها الغيرة فتحجبها عنها ؟!!

( 6 ) خورام المروءة

جلس قريبا مني .. كنت حينها قد أعددت العدة وشمرت ساعديّ و " بسم الله " سألتهم اللقمة الأولى ، وإذ به ينطق متحدثا إلي " ألا تدري أن فعلك هذا من خوارم المروءة " ، أنا أعرف ذلك جيدا .. أجبته ضاحكا " خوارم مروءة خواتم صوابع .. أنا جعااان " ، أدار وجهه ثم التفت إلي ثانية " طيب ممكن حاجة من الي معاك يا بيه " ، كاد دماغي ينفجر من كتمان الضحكة .. ثم خرجت ضحكة عالية رغما عني .. حتى الثقافة أصبحت وسيلة جديدة لسؤال الناس ، يبدو أن الحاجة حقا تفتق ألف حيلة .. أغناني الله وإياكم عن السؤال وأعف نفوسنا بالحلال .

( 7 ) 4 مايو مجددا .. مش هنغير بقى

لا أعرف كم عدد العطل الرسمية في مصر ، كل يوم تطلع عليه الشمس يصنع قرارا وعطلة جديدة ، وما عدت أدرك كم الساعة الآن فتوقيت القاهرة يختلف عن توقيت مكة المكرمة في الشتاء ويتفق معه في الصيف .. لا أفهم أبدا لم تلك الساعة المزحلقة بين الفصلين ، ومع غزارة ما ساقته الفضائيات المصرية المبجلة إلى أعيننا ومسامعنا حسبت أن يوم الرابع من مايو لهذا العام إجازة رسمية .. وفي كل عام تتكرر الديباجة المسجلة " الاسطوانة مركونة أصلا عند كل الفضائيات لوقت عوزة .. " ، الجديد فقط هو تلك الكلمات التي يهديها المطربون لصاحب البلاط " الممسوح بفينيك .. لأ بديتول أكيد .. البلاط الممسوح بديتول قليلا ما يزحلق " أسال نفسي كثيرا .. إن كان حب ولاة الأمر واجبا فهل هو وجوب عموم أم وجوب خصوص ، وهل يا ترى حب أصحاب المقام المطهر بديتول ، من العموم إن كان عموما أم من الخصوص لو كان خصوصا ، ويحكم يا شعب مصر !! لِم تخدم كل طبقات المجتمع فردا واحدا ؟ حتى الفن أدخلوه في السياسة " من امتى العالم دي لها في الفينيك ومسح البلاط ؟! .. أكيد بلاط عن بلاط يفرق بردو " .

( 8 ) لأول مرة

أعجبني بشدة ذلك الـ"لوك" المختلف الذي أسقطوا فيه " تامر حوستي " ، و " مخمخت " كثيرا بـ"الطربوش واللحن والكلمات " هو ده الي هيصونا يا قلبي .. وهيحافظ علينا أنا وانت يا قلبي " ثم يردف " حبك على عينا وعلى راسنا .. يا سيدنا ، وكل الناس في كفة وانت وحدك حبيبنا .. يا حبيبي لما بلمس ايدك في سلامك .. بحس اني مش في الدنيا .. آه من غرامك " ، كم أخذتني هذه الكلمات لتفكير طويل مع أني ما لمست يدها قط ، ولو أن منة شلبي قد عميت في هذا الفيلم وأرسلت قبلة في الهواء لصاحب الطربوش .. إلا أن لحنه هذه المرة بحق أربكني كثيرا ، وبعض مشاهده التي رأيتها جعلتني أنسجم مع خيالي وأسرح مع تلك التي أتمناها بعيدا " طول ما انت جمبي هبص لمين سيب الكلام ده لناس تانين .. هو الي يبقى في ايده ملاك هيبص بردو لبني آدمين " ، صدق ورب الكعبة . لأول مرة تسرح بي ألحان مغايرة لألحان هضبة الطرب العربي " تفتكروا ليه .. أكيد الأغنية دي فيها سحر " .

( 9 ) كن منصفا

الأجواء كلها ملعبكة .. والوجوه تسكنها ملامح الحيرة ، المدعية مرتبكة .. والمتهم في بروده الظاهري يرتجف قلبه ونفسه متوترة .. والأزمة المطروحة على منصة القضاء ، قضية حب .. قلبان نبتت الغيرة في أحدهما وحن الآخر لماضيه العكر ، أصبت يا ابن الساهر في تصويرك تلك المشاهد بذلك اللحن القوي وصوتك المجلجل " كن منصفا يا سيدي القاضي .. ذنبي أنا رجل له ماضي ، تلك التي أمامك الآن .. كانت لدي أعز إنسانة ، أحببتها وهي أحبتني .. صدقا جميع الهم أنستني ، صارحتها وقلت مولاتي .. كثيرة كانت علاقاتي ، قالت : حبيبي دع الماضي و قبلني .. بين ذراعيك أنا الكل وأنا ليا الحاضر والآتي " ، ثم ماذا عساها تفعل يا كرام .. " لما عرفت الماضي وبلاويه طينتها على دماغ البيه " ، ليس تصرفا أحاديا لأنثى أو حتى عدة إناث إنما هو الغالب عليهن ، يتظاهرن أنهن غير آبهات بماضي الرجل وما أن تعرف إحداهن شيئا مما كان .. حتى ينقلب الحال ويكن ما ليس في الحسبان " أهي الغيرة أم وسوسة الشيطان ؟ " .

الباحثون عن السعادة .. كذابون

سعادة غالية... كذب ورب الكعبة، فلا هي سعادة ولا هي غالية، حين تسرق من عين غيرك فرحتها وتنتشل من قلبه بهجته وأمله، ثم تسدل على كل ذلك رداءك الخبيث بعد أن كان يلفهم ثوب الطهارة والبراءة والحب، ثم لا ترعوي عن غيك... تخرج على الناس بحلتك الجديدة مدع أنك قد عثرت على سبب السعادة الذي حير الناس وأضناهم لترى في عيون الكل حيرة وفضولا يشع منهم رغبة في معرفة سرك الذي توصلت إليه ببراعتك الكذابة، وتروح تصف ما صنعت لهم دواء لنفوسهم المريضة... أقسم لك أنك بكل ما صنعت من طرق رخيصة كذاب منافق لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.

السعادة لا أراح الله لك قلبا... هي أن تروي حبك بنبضك لا أن تسرق نبضا ليس لك لتسقي به قلبا كذلك ليس لك، هي أن تعرف لصاحبك حقه... أن تفهم معنى المشاعر... ان تراعي حق الله في قلوب البشر، لا أن تدهسها وترسم صورة الملاك البريء.

السعادة لا أب لك... هي ألا تدعي حالا صنعه غيرك لنفسه ليعيش فيه، هي أن تؤمن بصدق أن الدنيا مبنية على مبادئ الحق والعدل والخير والجمال والمساواة... كما تدين تدان، وكما تفعل سيُفعل غدا بك.

فلسفة القلم أحيانا تخون صاحبها فتصور له بشيطان الخيانة أنه الناصر صلاح الدين، وأنه هو من حرر قلبا من جبروت سجان مارد، وأتاح له فرصة جديدة للحياة في براح الأمن والنقاء، لا يدري أن إبليس اللعين يقف على كتفه يتعلم منه ما فعله كيف فعله؟

كيف لمن يسبك الباطل حقا أن يلامس جسده ذلك الهندام الذي يبدو جليا أن غيره قد لبسه واستخدمه فترة ليست بالقصيرة، ترك فيه عرقه وآثر جسده وتقسيمة قوامه؟، كيف لروح أن تسمح لصاحبها أن يصبغها بروح ضاجعت روحا أخرى قبل ذلك؟ يا لها من مأساة... مضاجعة الأرواح أبلغ من تلك التي نعرفها، شرف الروح وطهارة النفس أقدس كثيرا من كيان الجسد، لكنه للأسف لا يعي ذلك الآن... هو في وهم أسماه سعادة، كذب على نفسه واغتصب فرحة غيره بثمن بخس ألبسه رداء يدعي أنه غال نفيس، تنسى النفوس حين تسقط في الظلم والجور أن هناك ربا وضع الدنيا على ميزان العدل الإلهي، تختفي من أمامها النصوص التي حتمت تلك السنة الربانية في الدنيا، "وتلك الأيام نداولها بين الناس" ، "الأيام دول" ، "يوم لك ويوم عليك"، "كما تدين تدان"، كل ذلك لن يدع لمن خانته نفسه فسلب فرحة غيره فرصة واحدة للتمتع بالحياة أبدا.

وتلك التي تبيع حقيقة بزيف تحسب أن الحق ما تعيشه الآن، رغم أن عقدة الذنب التي تخلقها الخيانة لا تترك النفس ولا تكف عن إثارة الألم داخلها، إضافة إلى أن اللواتي يمتلكن ضمائر لن تتمكن إحداهن أبدا من الاستمرار بهذه العقدة، إما أن تعود لصوابها، أو أن تقتل ضميرها لتسيطر على الألم وتبقى على طريقها... و غالبا ما يختار الخائنون الخيار الثاني.

أما عن ذلك الذي شرب المرار وسرقت منه فرحة عمره حدث ولا حرج، ضع نفسك مكانه... حين يستهين خصمك بقوتك يستثير داخلك حرارة الغيظ، فتقسم أن تقصمه نصفين وتفعل... حين يتجاهلك حبيبك من أجل غيرك، تقسم ألا تدعه لأحد إلاك أنت فقط... ما يجعل القيد في يدك هو خوفك الشديد على المساس بأمن حبيبك حتى مع ابتعاده عنك وفاء منك لذلك الاحساس الذي لا يفارق قلبك له... لكن الصبر ذو حدود والألم الموجع يفلق النفس حتى تنتقم لكرامتها.

كل الذين سجل التاريخ عظمتهم لا تغيب عن صفحاتهم حكايات الحب التي انتهت بخيانة، كل المبدعين عرفوا مرار الخداع... لكنهم مع ذلك بقوا مرافقين للصمد والقوة... الجبل لا يهزه ريح حتى لو كانت ريحًا عاتية، راح زمن ثمود وعاد وما عادت الريح تسقط جبلا... الضربة على رأس المسمار تزيده ثباتا... لا كتب الله على أحد خيانة حبيب أو خداع صاحب، ولا سلب من نفس فرحتها بشيء أبدا.

تلك كانت رسالة لكل من تسول له نفسه امتصاص فرح الآخرين والعيش على ألمهم كالبعوض يجد حياته في التطفل على البشر، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

على منصة دار الكتب المصرية

كأنك أيها القدر تربت على قلبي .. كم من المواقف التي تغير كثيرا في حياتنا ، تخلق روحا بعيدة تماما عن ذلك الذي يتخيله عقل أحدنا ، لم يكن يخيل لي يوما أن أقف موقف الكبار من رجالات الثقافة والإعلام أبدا ، وحين أتاني ما أتاني جاء وأنا في أمس الحاجة ليد حانية تمسح على رأسي وتطيب ما بخاطري .

هاتفوني على غير انتظار مني .. ندوة يقيمها نشاط المكتبات الثقافية التابعة لدار الكتب المصرية ضمن مهرجان القراءة للجميع وأنا مطلوب فيها بالاسم شخصيا ، ذلك أن تلك الندوة لعرض نماذج شبابية مصرية يقولون أنها ناجحة تستحق التقدير ، و هم أيضا من يدعي أن مجلة رؤية مصرية التي هي مشروع حياتي من المشاريع الجديدة المبتكرة الناجحة ، أقسم لكم أغلقت الهاتف وما صدقت شيئا مما سمعته و نسيت ما قيل حتى أنني لم أكلف نفسي عناء التأكد من الخبر ، كان الوقت ظهرا وبإمكاني الذهاب والوصول قبل الموعد بمسافة زمنية واسعة .

الساعة الثالثة و عشرون دقيقة .. مرة أخرى عاودوا الاتصال ، حينها شعرت بصدق الذي يقال خاصة وأن المتصل هذه المرة غير المتحدث في المرة الأولى .. الآن بيني وبين دار الكتب ساعتين على أقل تقدير وحتى أجهز نفسي يزيد الأمر ساعة أخرى .. الموعد في تمام السادسة والنصف بدار الكتب المصرية التي لم أكن أعرف مكانها حقيقة فلست من أهالي القاهرة ولم أمر عليها قبل ذلك ، ما يعني أنني أحتاج وقتا كالذي كان بين الظهيرة والسادسة والنصف .. لكن الله إذا أراد أن يتم لعبده شيئا أتمه لو كان ما كان .

كالذي يجري خلف الزمن .. قمت مسرعا أجهز ما يمكن أن يجهز في هذه المدة القصيرة ، ارتديت قميصا برتقاليا أحبه وبنطالي الجينز البني و أخذت علي " جاكت بدلة " ، و انتعلت حذائي الجديد الذي ذبح أسفل قدمي .. قليل من الوقت .. أنا الآن في ( محطة النقل الزاحف ) ، الرابعة وعشر دقائق تحركت الحافلة وكأن القدر قد رتب لي أن أكون آخر من يكربها .. رافقني في الطريق شاب أعجبتني قسمات عقله وقضينا الطريق في حديث مستمر حتى وصلت أخيرا شبرا الخيمة .. السادسة و الربع .. بقي لي ربع ساعة فقط لأكون هناك في دار الكتب المصرية .. سألت عن المكان ومن يسأل في مصر حتما سيتوه عن دربه لا محالة ، إلا أنني عثرت على سيارة طريقها التحرير .. ركبتها أخيرا .. بعض الوقت وكنت أمام دار الكتب المصرية على الكورنيش .. ليس في هاتفي رصيد سوى ستة عشر قرشا فقط .. دخلت أخيرا قاعة الندوة .. وبدأت رحلة البحث عمن هاتفوني .. الطبيعي لأننا في مصر أن تتعجل أنت الأمور خوفا من أن تصل متأخرا فتصل في موعدك ثم تجد أنك قد حضرت قبل الجميع .. هناك عرفت ميزة اتصالات .. بدلت الخط في هاتفي لأستخدم الستة عشر قرشا .. هاتفتها دقيقة واحدة .. قليل من الوقت وكانت في القاعة .

لم أصدق أبدا ما أنا فيه .. بعض الوقت وكنت أمام عدسة التلفزيون المصري ، كنت حينما أتابع مثل هذه الندوات على التلفزيون أتساءل متى يسجلون تقاريرهم وسط هذا الزحام .. اكتشفت أنها تسجل قبل أن يبدأ شيء .. ما يضيق صدري هو أن يحكمني أحد بوقت معين .. طلبوا مني أن أوجز لهم حلم عمري في دقيقة واحدة .. لكن الحيلة الذكية لا تأتي إلا في مثل هذه المواقف .

كفاني مبرد الهواء عناء الاختناق من " جاكيت البدلة " ، فبأقيته علي كما هو ، الكل هناك مرسوم رسما فنيا خاصة صنف حواء ، وبدأت الندوة أخيرا .. تحدث الكل .. و أخبرتهم أنا قبل بداية الندوة أنني أريد أن أكون آخر النماذج لأرى من قبلي .. وكان قبلي كثير منهم الأستاذ أيمن خطاب والأستاذ حمادة زيدان والأستاذة سوزان التميمي الفنانة التشكيلية وصاحبة دار نشر صعب علي حفظ اسمها والأستاذ مفيد صاحب الموقع الاليكتروني لدار المكتب على الانترنت.. ومشروع مهرجان تبادل الكتب منبثق منه ، أما المميز فعلا فهما فتاتين أبهرتا عقلي أكثر من بعضهما إحداهن في كلية علوم عين شمس صاحبة الثمانية عشر عاما والثانية خريجة آثار القاهرة على ما أذكر ، الفن فيما قدمتاه بحق .. بنت كلية العلوم عقلية جبارة بكل ما تحمله كلمة جبارة .. ابتكرت ثلاثة أجهزة أحدهم لتخدير الحيوان والثاني لتخدير الحشرات والثالث لأمر أكثر أهمية لا أتذكره لكنها أبدعت في أفكارها التي استخدمتها في هذه الأجهزة .. أو هكذا شعرت أنا " يمكن عشان كانت حلوة حبتين تلاتة أربعة عشرة ههههههه " والثانية ابتكرت جهازا للحفاظ على الآثار من خطر الزلازل " يعني الزلزال يهد الدنيا والآثار واقفة زي ما هي .. عقول بتفكر " .. انتهى الكل من عرضه وبقيت أنا .

حين وقفت أمام منصة الحديث .. لم أكد أرى بعيني شيئا إلا ذلك الضوء الذي في المكان كأن المشهد تشوبه بقع زيت ضيعت ملامح الصورة .. تكلمت بطريقة لم أعهدها على نفسي لكنني لم أجد قولا أكثر به من حديثي بعد ذاك الذي قيل .

بقيت الندوة شيئا من الوقت بين شد وجذب ونقاش حول اللغة العربية واستخدام اللغة الأجنبية في كل ما من شانه تقدم الساحة المصرية والعربية عموما ، بقيت صامتا أستمع إلى الجميع حتى انتهى اللقاء .

وبسرعة البرق فارقت القاعة لأداوي عصافير بطني التي شارفت على الهلاك ، نزلت التحرير ومن التحرير إلى رمسيس إلى شارع السبتية إلى سيارة المنصورة ، السيء في الأمر ذلك الكرسي الذي جلست عليه .. كان مسنده مكسورا ما يعني أنني لن أتكأ طيلة الطريق إلا في حالة واحدة .. هي أن أتكئ على تلك الفتاة التي كانت إلى جواري .. شعرت بضيق أن كنت عبئا على كاهل تلك الفتاة التي يعلم الله أنني كنت بعيدا عنها بقدر كاف يجعل بالها مرتاحا إلا أنها توجست من الكرسي وصاحبه خيفة لا أدري لماذا ؟

وصلت إلى عروس النيل مرة أخرى .. بعد يوم أكسبني معارف كثيرة وفتح لي نوافذ منوعة ، نحن لا نعيش وحدنا ولا نبدع بمفردنا أبدا .. الحسنة الوحيدة في مثل هذه الندوات هي أنها تكشفك لغيرك وتكشف غيرك لك .. ثم إني أخيرا عثرت على الشيء الذي يمكنني من أخذ شيء من حقي من هذا النظام الذي يسود ديارنا " والي يجي م الحكومة خير وبركة " .

ختام القول .. أنا أعلم جيدا أن الله سبحانه سخر لي مثل هذه الندوة مداواة لألم كنت فيه ، لكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، لذلك فطبيعة الحال وواجب الضمير الذي بداخلي يحتم علي أن أرسل باقات شكر وامتنان لرئيس دار الكتب الأستاذ الدكتور / عبد الناصر حسن ، و مدير عام المكتبات الأستاذ / محمد سيد عبده ، ولا أنسى طبعا الأستاذة الفاضلة التي قدمت شخصي بشيء هو أكبر مني وعقبت علي بذكاء لتسعف ما سقط مني من كلام الشاعرة الكبيرة شريفة السيد .. وأخيرا اعلامي النيل الثقافية الأستاذ حسن الشاذلي على مواقفه النبيلة جدا معي .. ولكل من له فضل علي بعد الله سبحانه وتعالى أقول شكرا ألف شكر .

ليساندرا داي

سبحان من يدبر للنفس متى تألم ومتى تفرح ، حين يتخلى عنك نفر ممن يحتلون مكانة خاصة عندك .. ويشعر بك نفر آخرين ، قل عنهم رفاق أو زملاء .. يرفعون عنك معاناة بائسة تعيش فيها .. لا بد أن تجعلهم سادة عند نفسك .. هكذا كان يومي ، رحلة إلى رأس البر .. حيث نسيت النفس آلامها مع تلك الباقة الوردية الجميلة من النفوس الطيبة .. شكرا ليساندرا .. شكرا بشدة على هذا اليوم الرائع .

لم تكن تلك رحلة عادية ولا حتى كان وقتا من ذلك الذي نقضيه كل يوم ، هو صورة مغايرة لواقع حياة شخص مثلي ، هكذا تُصنع الراحة وهكذا تبلغ النفس مبلغ الانبساط والبهجة .. من عروس النيل إلى رأس البر حيث تلتمس النفس عظيم آيات الله " مرج البحرين يلتقيان ، بينهما برزخ لا يبغيان " ، ثم إلى دمياط .

رفقة هم نفر من الذين تنفتح لهم أبراج الروح على مصراعيها ، ليسندرا تلك الفتاة المغرمة بعدسة الكاميرا ( ساحرة الكاميرا ) ، سارة نكهة المرح والبهجة ، أما عن الأمان والسكون والعقل الراجح فتلك هي إيمان شقيقة رفيقنا الرابع محمد الغرباوي رفيق نفسي وإن تباعد العمر قليلا ، والقاهري ضياء .. خمسة كنت أنا سادسهم .

منذ البداية والراحة بدأت تخيم عروشها في نفسي وتبسط فراشها بين أضلعي ، جلسة البحر الصباحية ثم مشوار اللسان ، والحديث الذي لا يختفي ولا ينتهي ليعود فيبدأ من جديد ، تطاير الابتسامات و تعدد نكهات الأرواح .. كل ذلك صنع جوا من الدفئ النفسي سيطر على أعصابي فسكنت بعد أن ألهبها بعض الوجع خلال أيام سالفة .

السيء في الأمر ذلك المشهد الذي لا أدري ألحقته عدسة ليسندرا أم سبقوها هم بعيدا ، حين كان ذلك الضيف الخاطف أكان محافظ دمياط أو غيره في لحظة تفقدية للسان ، بعد أن خرج هو ومن معه سرعان ما حملت سيارة النقل سلات الزرع الصغيرة و ما إلى ذلك مما كانوا قد أعدوا ، اكتشفت حينها أنه من المفترض أن تكون سماعات الارشاد المعلقة على الأعمدة هناك مشغلة دائما تحكي قصة هذا المشهد وتلك الآية الربانية العظيمة .. لكنها أيضا سرعان ما انطفأت .

لكن الضحك و المرح أصر أن يبقى رفيقا ليومنا الذي بعثه الله لنفسي كسحابة غيث في قيظ الصيف ، كنت أتمنى لو أننا ركبنا النيل وسرنا وسطه لكن الأمر كان معقدا " يبدو أنهم اكتشفوا أعمال صيانة على ضفة النيل اليوم والله أعلم !! " .. بعدها قررنا الرحيل إلى دمياط .. هناك ستناول غداءنا أخيرا .

الخامسة إلى الربع .. أمام المتبولي .. في طابقه الثاني تناولنا ( الجمبري بانيه ) والخيار المخلل ومعهم صحن الكاتشب !! ، نكهة مختلفة .. مخلوطة بضحكات و أحاديث جانبيه .. مع ما تبقى في أنفي من رائحة البحر ، و البيبسي كانز .

بقينا بعدها على النيل .. لكن الشمس لم تدع لنا فرصة للمكوث طويلا ، وحذائي الجديد هو أيضا لم يدع لقدمي وقتا آخر للسير ، ضقت به ذرعا كما ضاق هو بقدمي .. حينها قررنا انهاء اليوم على غير رضا مني بالإسراع في ذلك .. ورحل القاهري ضياء وبقينا ندبر أمرنا .

في سجل ليساندرا الخاص سجلنا انطباعنا عن اليوم .. وفي سيارة المنزلة ركبنا أربعة .. ورحلت ليساندرا إلى حيث جاءت أول النهار ، مضت ساعة الطريق إلى المنزلة في حديث لا ينقطع .. تبعتها ساعة العودة إلى عروس النيل بين حديث وغفوات خاطفة .. ختمتها بـ" دوريتوس " .. والآن أنا في بيتنا عدت إلى سربي آمنا قد ملأت البهجة نفسي بعد أن شربت ما يكفيني من الماء سنة على الأغلب .

لكل من فاته اليوم .. أظنك لن تعوضه أبدا مهما كان ( اتحسروا بأه شوية ههههه ) .. شكرا ليسندرا مرة أخرى .

 
') }else{document.write('') } }