تحت الكوبري

شعوره بنكهة الإرتباك ما ذلك إلا قليلا من توابل حالة القلق الهستيري التي يبيت فيها منذ مدة .. هي بين يديه .. أمامه وطريقه إليها مفتوح .. فكرة المصارحة ليست جرأة إنما هي تضحية .. إما أن تسمع منه فإن أعجبها الحديث وارتاحت له كان له ما يريد أو يبقى الحال كما هو دون أن تغلق كل مفتوح وتهجره تماما وتحرمه حتى من طلتها عليه دونما أي حديث .. أو تهجره ويضحي سليب الروح .. هو هذا فك الحيرة الذي راح يقضمه ويأكل أحشاءه كمدا وألما .. لا يعرف ما يقول ولا كيف يصنع ؟ فضّل أن يستمر في حالته هذه ليضمن طلتها ولو من بعيد .. حتى وإن كان هذا فتاتا لا يكفي القلب لأنه أكثر رحمة من لا شيء ..

ككل مرة بانت حبيبته من خلف الحجب أنارت الدنيا وعطرت المكان .. غاب عن عقله وسبح مع خياله هائما بها .. كأنه يرى نفسه التي أرهقته ألما وكثيرا ما تمنت لو أنها صاحبت قلبا أقوى من قلبه وأكثر ثقة في ذاته تدفعه دفعا إليها لينطق بمكنونه .. رآى ابتسامة على شفتيها اللتان يقتله الحنين إلى أن يهمسا له بما يريد .. وجدها تدعوه .. تهمس له .. وكأنها تخبره بأنها ما كانت لتبتعد عنه .. إن هو إلا الإنتظار والتمني .." اقترب .. ثق من كلامك .. لا تخف سأكون أنـا .. " ..

قدر العقول دائما كما تشاء .. رآى أن أحلامه تنبسط أمامه وتفتح له بكل سهولة .. يتملكه الذهول .. يكاد يموت كمدا على تلك الفترة التي سكت عن قوله فيها .. كأنها العجينة السهلة تتشكل في يده دون قسوة أو امتناع .. ذاب في بحر من شراب الغرام الذي راحت تسقيه رشفاته شيئا فشيئا حتى أيقن أنها اختلطت بدمه فما عادت تربطه بالصبر طاقة .. يتمناها وتتمناه طيلة كل وقت وفي كل ممكان .. لا يأبهان بأعراف أو ما يسميه الناس أصولا .. يعشقها ويفيض في حبه لها شعرا ونثرا وألحان .. وهي لا تفتر عن قولها له " سأكون أنـا .."

طلب منها مرة أن يترافقا والنيل ثالثهما وعروس مصر تحملهما على أرضها فما كذبت خبرا ورافقته .. وشهد النيل على أعذب كلمات قيلت في الحب وأبرع صورة رسمت لحبيبين .. تلفه بيدها اليمنى ويلفها بيده اليسرى .. يسيران كلا واحدا كأنما خلقا سويا على غير الطبيعة فخلقما سويا تُحال فيه حال الشقيقين إلى عشيقين .

استقر بهما الوقوف " تحت الكوبري " قد كانت الشمس بادية جلية لم تنستر بعد في خدرها .. استندا إلى ذلك السور الفاصل بين أن تغوص في النيل أو أن تعود من حيث جئت .. وغفلهما الحديث عن وقوفهما .. ساعة واثنيتن .. يروح من خلفهما من يروح ويأتي من يأتي .. عينه لا تسقط عنها وأنفاسها متعلقة بحديثه وقد تاه بصرها في كيانه لا ترى شيئا غير دواخله النقية البريئة التي تعشقها بكل إخلاص وطهـر .. فجأة وضعت يدها المهتزة على فيه لتوقفه عن حديثه .. " أحبك .. تأكد أنني أنـا" .. قبلت شفتيه كفها الرقيقة .. وذاق مع قبلته أشهى مذاقا حتى من شهد النحل .. تلك كف حبيبته ..

توقف عندهما بائع الورد .. انتبه لقوله " وردة لخطيبتك يا أستاذ .." تبسما فرحا بالكلمة .. أخذ منه كل ما يحمله من وردات وسلمهم لهـا .. "رسالة حب اعتادها البشر لكنها منك تختلف تماما" .. رسمت بثغرها البريء قبلة على إحدى الوردات ثم داعبت بها خده لتحيله من واقف أمامها إلى ذائب في كيانها ..

وتوقف هذه المرة عندهما رجل بسيارته .. " لو سمحتي يا أبله .. ممكن تلفونك أعمل مكالمة " انزعج من مقاطعته لهما .. رد إليه جوابا " شايفني قرطاس جوافه اطلب مني يا سيد انت " تبسم الرجل ابتسامة سخيفه " معلش يا أستاذ .. المهم اسعفوني بدقيقة عاوز أتلكم ضروري " .. أعطاه هاتفه كي يتخلص من ازعاجه بعد دقيقة .. لكنه تخلص منه ومن هاتفه .. مجرد أن سلمه له كانت سيارته قد وصلت آخر الطريق .. ردة فعله كانت مختلفة عن أي من الناس .. ضحك بشدة وضحكت معه .. "اجري الحقه " يزداد ضحكا " ألحقه ازاي يا أنـا .." ارتبك قليلا ثم تابع " مش انت قولتلي أتأكد إنك أنـا" ..

عادا إلى السور والضحك يقربهما أكثر من بعضهما .. اتكآ عليه .. وجهه في وجهها .. أسند رأسه لرأسها .. الأنف بالأنف .. يقترب .. يقترب .. ويهتز " الكوبري " من فوقهما إيذانا بمرور القطار .. صوته أكثر إزعاجا من أي صوت سمعه في حياته .. فجأة يهتز هو .. ليعود فيفيق من غفلته .. يجد نفسه ما زال في جلسته لم يتحرك منذ ساعة .. مذ طلت عليه بأنوارها .. كان وهما أنها معه .. لم يبح لها بسر قلبه .. لم يجرأ حتى أن يلقي سلام الله عليها .. أدرك الآن قدر عقله .. وهم وخيال وحياة نعيم بين سحب الوهم كما يشاء .. ثم تسقطه الحقيقة على واقعها الأليم .. مضت لحالها وانطفأت أنوار طلتها وصاحبنا ما يزال على حاله يأكل الألم جوامع قلبه فقد حكم القدر عليه أن يعيش هائما بها منتظرا أن يسمعها منها بحق " تأكد أنني أنـا" .

رابط التعليقات أسفل عنوان البوست أو من هنا

16 التعليقات:

Rannon يقول...

هايل
أسلوبك حلو قوي

تحياتي:)

شيماء جمال(شيمو القمر) يقول...

الحلم أو الخيال يحقق لنا ما نتمناه
ولابد من أن نحلم بالشئ لنقدر على تحقيقه

ومع هذا لابد من التقدم ومحاولة تحقيقه بأى طريق مهما كانت العقبات

أحاسيس الحب الموجودة فى منتهى الروعة
كل حرف منها بيدخل قلبنا فى إحساس جميل
ويعطينا نشوة الحب

أسلوبك رائع
فى تقدم مستمر
تحياتى لك
شيمو القمر

رؤية يقول...

^_^

بسنت صلاح الدين يقول...

ياليته قد رحم حاله من العذاب و اوصى لسانه بالنطق ،لم يعد هناك الم ليكسبه،لكن ما لفت نظرى هو كيف ان الحب يهون الصعاب و يجعلك ترى الدنيا بعين الرضا

وردشان smilyrose يقول...

الله يسامحك يا ابراهيم

بعد ما عشت معاه كل لحظة وكل همسة

حتى حادثة التليفون

يطلع وهم

بس بجد ما اجمله من حلم

ليته يحققه الى حقيقة

مبدع اخى كعادتك

وردشان

روح الحب الصادق

وردة يقول...

عشت وسرحت مع القصة والاخر


دلقت عليا جردل ماية ساقعة


ليه كده يا استاذي بس


نفسي اقتل التردد والخوف اللي بيقتل فينا اجمل الاشياء

هما دووول بجد لو كانو رجلا لقتلتهما


تسلم ايدك

سلام

E73 يقول...

هههههههههههههههههه
بعتة

بس حلوة قوي حركة العربية الموبايل دي

لأ بجد جميلة

الا هما كانوا تحت كبري القطار من ناحية الهبي لاند ولا من الناحية التانية؟! :d

محاولة لكسر الصمت يقول...

ربما هو يحتاج للتأكد من اشياء أخرى غير أنها (هي هي)..

قلم رصاص يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قلمك دع محتاج يتحط في متحف ونجيب له سياح
هههههههههههههههه


بجد والله اسلوبك ماشاء الله عليه
ربنا يحفظك ويوفقك

تقبل مروري يابطل

ومازلتُ أتعلم يقول...

يعنى مش عارفة بجد أقول ايه
اسلوب حضرتك مالوش حل
بجد ربنا يكرمك

النسر المهاجر يقول...

أطربنى كثيرا جمال الأسلوب وتدقيق التعبير وجعل القارئ يعيش حالة من الإندماج فى البوست

وفقك الله

الشعب لابد له من حكومه تشكمه يقول...

ايييييييه ده ؟؟هو طلع بيحلم:( زعلتنى

Aиgel يقول...


كاتب مصري

كنت أنا هنا من بعدك
أتأملك .. أتأمل روعة إحساسك
وصدق مشاعرك
كنت هنا .. وقرأتك
كأنك كتاب مفتوح من المشاعر الجياشه
كنت هنا ..
وسعدت أن يكون لي تعليق ضمن التعليقات

كاتب مصري

ما أجمل أن نهوى قصص الخيال
وما أروع أن نتمشى في دهاليز الغرام
وما أرقى أن نترجم نلك الأحاسيس
التي تتملكنا


سلمت يداك عما قدمت لنا

أختك
Angel Love


وتقبل إعتذاري عن طول الغياب
وعدم المتابعة ولكن إذا لاحظت عندي بأني لم أدخل مدونتي ولم أكتب بها شيء منذ شهووور

فأرجو أن تتقبل إعتذاري

(Joudy) يقول...

ما أجمل أن يحلم الانسان و يعيش الحلم بكل تفصيلاته يسبح فى سمائه بكل المشاعر من سعادة وألم ابتسامة ودمعة الحلم له مذاق أكثر من حلو تتهافت القلوب لتحلم وتجن العقول بدونه ولكن فى كثير من الأوقات يكون الحلم سببا فى ضياع لذة الحقيقة فنفقد فرصتنا فى أن نتذوق رحيقها لذا فالحلم جميل ولكن مع ادراك حقيقة الواقع....

كالعادة متألق سلم قلمك وسلمت كلماتك

دمت بكل الخير والسعادة

أنــا يقول...

طبعا اسلوب وصياغه تتعدى الوصف .. بجد ..حلوة اوي ودمها خفيف ..
بس لو هناقش تفاصيلها .. هيكون ليا كلام كتير ..
بالنسبه للحلم كحلم .. في احبان كتير بتبقى الاحلام احلى كتير من الواقع لما بتتحقق.. واحيان اكتر .. الحلم بيفضل حلم وعمره مابيتحقق..
قليل اوي الواقع بيبقى احلى من الحلم .. بس دا لما الواحد بيكون مستنيه بس من ربنا ..

في تعليق لـ محاوله لكسر الصمت بيقول .."ربما هو يحتاج للتأكد من اشياء أخرى غير أنها (هي هي).."
عجبني اوي الكومنت دا .. بس كمان لازم يتأكد انها هي هي ..

عموما دايما الحلم هوا اكتر حاجه بتخلينا نستحمل الواقع على امل اننا ممكن نعيش الحلم واقع .. وايا كانت نتيجه الحلم دا ..
فكفايه انك عشت حلم جميل عيشك لحظات حلوة ..
لان اللحظات دي بقت نادره اوي ..
خصوصا للناس اللي بطلو يحلمو خلاص :)

خلي احلامك دايما معاك وعيشها لوحدك .. ماتحاولش تدخل حد تاني فيها .. عشان مايضيعش فرحتها بالنسبالك..

هيجي يوم تلاقي فيه واقع احسن بكتير من الحلم .. وتقول ازاي حلمت بكدا .. لجمال الواقع .. ولانك هتبقى شايف وفتها ان الحلم طلع على قده



قصة جميله اوي ..
واسلوبك فريد .. خليك دايما كاتبنا المصري .. واستاذنا ..
تحياتي ..

غير معرف يقول...

خيال جميل ومش بعيد عن الحقيقة كتير كانة حقيقي

 
') }else{document.write('') } }