هرتلات شاب فاضي 3

( 1 ) فلانـ/ ـة تعجبه حالتك

الكثير منا أصبحت أيامه الكترونية بحته ، أنا واحد من هؤلاء ، أصحاب الأيام الإلكترونية ، مع أول ساعات يومي تجدني " مبحلقا" أمام شاشة الكمبيوتر ، مستخدما متصفح الفايرفوكس للاستمتاع بالسهولة واليسر والحركة السريعة بدلا من اكسبلولر الذي يشعرك بالاختناق كما لو كنت لمرتك الأولى تفتح متصفحا في حياتك ، ومن صفحة المجلة ولوحة تحكمها التي تقرر نكهة يومي بناء على تعليقات السادة القراء إلى صفحة الفيس بوك ، ذلك الشارع المفتوح أمام الجميع ، المثقفون والتافهون و خفيفوا الظل والسخفاء أيضا ، الكل يملك صفحة أو أكثر ومجموعة و أيضا أكثر .. أكتب على صفحتي شيئا من نفسي لأجد تنبيهات حمراء في وقت قليل تخبرني " فلانـ/ـة تعجبه حالتك .. أوليس من الأفضل مثلا أن نطبق فكرة الفيس بوك في مياديننا العامة لنكون أكثر تواصلا مع العالم المحيط .. فلو كان مجلس الشعب شعبيا بحق و أتيح لنا أن نضغط " لايك أو أنلايك " أفلا يكون هذا من الديموقراطية أم أنني أهذي ؟!!

( 2 ) يهرفون بما لا يعرفون

تسوقني نفسي حين أنتبه إلى بعض كلمات يكتبها فلان أو تخطها علانة حول موضوعات العصبية القبلية على صفحات الشبكة إلى فكرة واحدة .. هي أننا نعود بثقافتنا إلى الوراء ، وأن نفوسنا لم تتطهر من عصبية الجاهلية الأولى ، تؤسفني كثيرا بعض التعليقات التي أقرؤها على صفحة المجلة وبعيدا عن كوني أتيح لها النشر لفتح براح الحرية من باب الرأي والرأي الآخر إلا أن ذلك لا يمنع رفضي لمثل هذه العقول وكأنها نفوس تكهونت وتقوقعت داخل ذاتها لا تسمع لغيرها ولا تقتنع إلا بفكرها السقيم ، الأصعب على النفس من هذا أن ترى التفافا طويلا حول مثل هؤلاء مدعين أنهم أتوْا بما لم يستطعه غيرهم وأنهم تحدثوا في مسكوت عنه بصورة جريئة .. المضحك في الأمر أن ترى وسط كل هذا شخص يشط بعيدا و تسمع منه حديثا لا دخل له بذا أو ذاك كأنك تسمع " رصيف نمرة 5" لعمرو دياب مثلا ولا تدري ما دخل البليلة بعم فكري بكلابس الترولي ببقالة الأمانة بعبده الفرارجي ، إلا أنك حين تسمع دياب في أغنيته تلك فأنت مقتنع تماما أنه " كلام أرصفة " ، أما أن تسمع قوما يدعون الفهم والمعرفة وهم يهرفون بما لا يعرفون ويلتم حولهم ضعاف النفوس .. فهو السخيف جدا والأمر الذي يثير المرء ويجره إلى الـ.... .

( 3 ) بريل وبرسيل .. وماماهات الغسيل

في يوم ، في شهر ، في سنة ، أمسكت بـ"ريموت " الـ"رسيفر" وجعلت أتنقل بين محطات الفضاء المصري العظيم ، أوقفني تحريف لطيف من باب الدعاية لا الدعابة لإحدى الأغنيات المهداة للأم في يومها السنوي الذي ابتدعه المبتدعون وحصروا حقها في ساعات قليلة ، تقول تلك الأغنية " كل سنة وانت .. طيبة يا مامتي وبعودة الايام .. تفرحي وتتهني وف عيدك نغني ونضربلك سلام .. وبريل وبرسيل بيهنودكي دايما .. على طول السنين " ، كاد الدمع يقطر من عيني " معقول .. بريل وبرسيل عاملين وحدة عشان يهنوا الأم .. لأ كتير كده بصراحة !! .. عظيمة يا أمي " ، هذا ما ترسخه الخلايا السرطانية في كيان الإعلام داخل نفوس الأجيال " تقريبا بينصحوا العيال تجيب لأهاليها بريل وبرسيل ومساحيق غسيل واغسلي يا مامتي .. اكنسي يا مامتي وامسحي وانفخي وطلعي في عينك .. وكل سنة وانت طيبة يا حبيبتي " ، وكأن الأم التي أوصى الرسول الكريم ببرها ثلاثا لا تستحق إلا أن تكون في " المطبخ عشان الغداء " أو في " الحمام أكرمكم الله ، عشان تغسل " وفي " أوضة العيال بتغيرلهم وتذاكرلهم ومش بعيد بترضعهم كمان ، ما هو ده التقدم .. أمهات 100 في 1 ولا حتى صانسيلك كده يا ناس والله " .. كل عام وأنت بخير يا ست الكل ، بالله عليكم هل قَبَّل أحدنا يد أمه وأبيه اليوم .. تلك سنة هجرناها وتكبرنا عليها " أبوس إيد أمي ليه هو أنا نونو " ، ولا يعرف قدر هذه النعم العظيمة إلا من حرمها ، أدامك الله يا أمي بخير .

( 4 ) شغلانة بـ500 جنيه

ما بين الثلاث مئة جنيه والخمس مئة تدور الرواتب المصرية في الطبقة العامة ، ولو أن أحدا أكرمه ربه وحصل على وظيفة بـ750 جنيه مثلا لكأن طاقة القدر فتحت له وأتاه الرزق من حيث لا يدري ولا يحتسب ، وتراه يخفي عنك قدر ما يأخذ من راتب شهري خشية الحسد ، وما درى المسكين أن ما يصنعه مقابل ما يأخذ لا يساوي حتى الربع ، هذه هي حياة المصريين وما جعلهم خير أجناد الأرض إلا لأنهم أقلموا حياتهم على هذه الظروف بالغة السوء ، ولو أن الفرد كان عاملا مثلا سواء في الفاعل كما يسمون عمال البناء أو على سيارة أجرة ترى الواحد من هؤلاء يعيش بأقل من 50 جنيه فقط يوميا وما تدري كيف يعينه الله على " مصروف العيال الصبح والغدا والعشا وأجرة المواصلات ورغيف العيش " و إن تعجب فعجب أن تراه بعد هذا كله يجد ما يشرب به السجائر ويدخن به الأرجيلة على القهوة وربما تخطى الأمر عند البعض إلى " العشا عند البغل " مثلا .. السؤال الذي يحيرني كثيرا " هما دول اتجوزوا ازاي ؟ " يكاد الشتات يدمر عقلي حقا .. وبعد هذا كله أتمرد على وظيفة بـ500 جنيه شهريا " ما هو شغل إيه ده الي من 10 الصبح لـ 10 بالليل ، على لوحة مفاتيح واكتب ونسق واعمل ومتقومش وابقى هات حاجة نقنق فيها وانت جاي عشان مفيش راحة للغدا" شعرت أنني أحد أجزاء آلة طحن مثلا أو أني ترس ثلمت أسنانه يدور في دوامة تروس لا ترحم ، ولست كاتبا على جهاز حاسب آلي !! .. عن نفسي طلقت الوظيفة تلك ثلاثا وبانت مني ولا رجعة لها .. " يخليك فوق راسنا يا أبويا و نعيش بحسك " ، " لسة بدري على وجع القلب " ، تعود ألا تحمل مسؤولية فوق طاقتك وفيما لا تطيق .

( 5 ) قال فاكرينك

لم أكن أشعر أن أحدهم يقف في ذات المكان الذي أجلس فيه مواجها شاشة الكمبيوتر ممسكا بهاتفي المحمول أتحدث إليها وهي تشدو بصوتها العذب في أذني فتطيب روحي لحديثها حتى لو كان كلاما عاديا عابرا ، أهتز في مكاني حينما أخبرها بحبي لها ، يرعدني الخوف من دواخلها ، إن كانت حبا فهو الخجل الذي أعشقه فيها وإن كان مجرد قبول فماذا يفيد العاشق إن كان وحيدا في حبه ، وأغلقت الهاتف .. سمعت صوته يقول " خطيبتك دي ؟ ! " ، غيرت مسار سؤاله وأجبته بسؤال آخر " اشمعنى يعني وهتفرق معاك ايه ؟ " فرد سريعا " باين قوي " ، وما الذي جعله باين قوي أيها الفيلسوف أفندي ؟ " ، فقال كلاما زاد الأنين وشيد أبراجا جديدة لها في قلبي ، قال لي " يعني أولا محدش بيكلم حد بالطريقة دي غير لما تكون بنت وقريبه من قلبه وبعدين نظراتك فضحاك " ، تذكرت حينها تلك الغنوة التي يشدو بها عمرو فيجلجل قلبي حين يتأوه وكأن قلبي يتأوه مع ألحانه وي كأن صوته الندي يروي حبي فيزيد أكثر وأكثر ، يقول " قال فاكرينك بتحبيني وبينا حكاية .. ما هو شايفينك جاية معايا ورايحة معايا .. مش فاكرينا ، ما هو لو بينا حكاية هنحكي ..كل ما نضحك على نظراتهم قلبي بيبكي ، أيوة بحبك بس مخبي الهوا جوايا ..كل الناس شايفينا حبايب إلا عنيكي .. وأنا من خوفي لا تبعدي عني بخبي عليكي .. وأما يقولوا بتحبيني بنعديها .. لكن بيني وبيني بعيشها بفرح بيها ، وساعات بنسى وأسرح فيكي وف هواكي .. وتفاجئيني فينك أقولك أيوة معاكي ، يبقى الحب ده كله ف قلبي ومش فهماني .. ده انت في توهه مش هما إلي ف عالم تاني .. أيوة بحبك بس مخبي الهوا جواياااا " .

( 6 ) عالم .. لحظي الوجود والضياع

لذة الرغبة في الكتابة حينما تنصب في روحي تشعرني كما لو كنت عازفا ينتظره عوده حتى يضع عليه لحنه الجديد ، وما تأتي إلي فكرة إلا وتختمر في عقلي اختمار العجين في إناء الطهي ، حتى ما إذا عرضته للهواء قليلا من الوقت ، فقد كثيرا مما اكتسبه من الخميرة ، وهذا أنا يوم جلست أخط حروفا أتحسسها في نفسي عن ذلك الطريق الذي سرته برفقة ذلك الفرع النيلي العابر في أحضان مدينتنا يشقها نصفين .

العطر النيلي والهواء ولمعان الشمس وصورة الفتيات الحسناوات يسرن في ذات الطريق أو ينتظرن تحت ذلك الكوبري .. وأنا أجلس على مقعد مشاهدا ذلك كله ، يخلق في نفسي صورة مختلفة تحط في مرسايَ معان جديدة لأفكار روحية تشتاق إلى قلمي ، سمعت همهمات كثيرة بين تلك وزميلتها وفلانة وعلانة سمعت ، وضحكات صاخبة تزعمها أحد الشباب السفهاء الذين يمتطون السور الفاصل بين الطريق والنيل كما لو كان حمارا مثلا .. قلت لنفسي " يا سيدتي ذا مطلع الرواية " .

رحت أخط في نفسي خطوطا عريضة لأرسم بها نصا جديدا حول إحساس مختلف ، لكني توصلت لمعنى واحد لا أجد سواه ، هو أن شعوري اليوم وغدا وبعد زمن طويل من معيشتي في أحضان مدينتنا هو ذات الشعور بالفرحة حتى لو رأيت شيئا تنكره نفسي على أصحابه ، و لو كنت متقنا لفن الشعر لنظمت في حب النيل وعلاقته بروحي بيوتا ولسكنتها دائما .

2 التعليقات:

E73 يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل تسمح لي بأن أثني على اسلوبك في العربية الفصحى الذي ينتشلني ويجرجرني كي أكمل بكل بساطة المقال لآخره ويدعوني لقراءته مرة أخرى!

حفظني الله وإياك

في المرة قبل السابقة علقت على كل فقرة على حدى
في المرة السابقة أخذت من المقال ما شد انتباهي
في هذه المرة لست أستطيع التركيز أو حتى انتقاء جزء فالكل جميل وروعته روعة اسلوبه

جزاك الله خير

"هي دي الناس اللي بتحسسني ان لسة فيه في العرب عرب"ز

غير معرف يقول...

على فكرة الطريقه دى فى الكتابه جامده اوى.
تحس ان الى بيكتب قاعد قادمك وبيحكيلك وانت بتحس بلى هو حاسه وكده.
مش بأه تحس ان ها...يالا مقاله وهتعدى..لأه...انت اجبرتنى انى اخلصها لحد الاخر.
همممم
بس يعنى
:)
بجد موضوع جميل اوى يا ابراهيم.شكرا ليك.
نيرة

 
') }else{document.write('') } }