بين نعم و لا.. ثقافة إختلاف

نشر في شبكة محيط الإخبارية [ شبكة الإعلام العربية ] هنا

الأوطان في دنيانا تمر بمراحل متفاوتة بين القوة و الضعف و الارتخاء و العزيمة ، و مصرنا بعد ثورتها المباركة 25 يناير تقف على المحك .. لا أتعجب حين أرى أصواتا تقول نعم و أخرى تقول لا بيننا مع أن واحدنا كان ممسكا بيد صاحبه في صفوف الثورة يهتف [ الشعب يريد إسقاط النظام ] و اليوم يختلف معه في فكرة الموافقة على التعديلات الدستورية التي تمت أو عدم قبولها كليا .

لنتفق على أمر ما بادئ ذي بدء .. أننا جميعا سنشارك في الاستفتاء يوم 19 مارس و لكل منا حقه الكامل في التأشير أمام مربع نعم أو مربع لا ، و النتيجة النهائية لصندوق الإقتراع و لنتفق أيضا على أمر مهم .. كلنا مهما كانت أراءنا موافقون كلية على نتيجة الإقتراع السري مؤمنون بنزاهتها لأول مرة بعد أكثر من ستين سنة ..

الأمر الذي يشغل فكري الآن هو هيئة الإختلاف و بناء كيانه ، على صفحات الفيس بوك انطلقت صفحات و مجموعات حوارية و حتى على الحوائط الشخصية .. الكل الآن بدأ يرفع لافتته التي تعبر عنه .. نفر الناس الذين يقولون نعم رفعوا لافتة خضراء تدعم الاستقرار و أرباب فكرة لا رفعوا لافتة حمراء تعلن رفض ترقيع الدستور الباطل ..

كلنا يعترف أن الدستور المعمول به حتى تاريخ جمعة التنحي دستور باطل ساقط كلا و جزءا .. لكن لا يستطيع أحدنا أن يحكر على رأي الآخر ، على صعيد شخصي أستطيع أن أقول أنني تمنيت أن لو كانت القوات المسلحة كفتنا شر الاختلاف الذي يسوق في بعض الحالات الى التناحر بين أشخاص غيبو عقولهم ، و للأمر أكثر من مخرج فبدلا عن كتابة نصوص دستورية كاملة البنود ، يكفينا إعلان دستوري محدد بالمواد المعدلة يسوقنا لانتخابات برلمانية و رئاسية حرة و نزيهة و يكفل ذمن بنوده ضرورة الانتهاء من صياغة دستور جديد بعد انعقاد مجلس الشعب في فترة لا تتخطى ستة أشهر كما نصت إحدى بنود المواد الدستورية المعدلة .. لكنها أقدار الله جرب بهذه الطريقة و أعتقد اعتقادا جازما لا يخافني فيه أحد أن رجالات القوات المسلحة صادقون في أقوالهم بنسبة تصل إلى تسعين في المئة و الأسباب في هذا الاعتقاد واضحة تماما .

الذين يرفعون لافتات نعم يعتقدون أنه من الأسلم شد الشرع مرة أخرى حتى نصل بمراكبنا إلى بر الأمان و من ثم نتمكن من اعداد المكرب و صيانته صيانة كاملة بكل تفصيلاته كي لا يبحر بوضعه الذي كان به في عرض البحر فيغرق بنا مجددا ، ما يعني أنهم يرون أن التعديلات الدستورية تكفل الوصول لدولة مدنية و انتخابات نزيهة و تلزم مجلس الشعب بالانتهاء من صياغة دستور جديد خلال ستة أشهر قررتها إحدى البنود المعدلة ، سبب آخر يقوي حجتهم هو أن القوات المسلحة جبهة مصر العسكرية منوطة أصلا بمهام خطيرة تتعلق بأمن الوطن وحمايته كلا و جزءا و معنى أن ينشغل قادتها في إدارة شؤون البلاد هو اختلال ميزان المهمة المنوظة بهم و ضياع الاستقرار شيئا ما .. ثم إن أحكام المحاكم العسكرية مغلظة لا يطيقها أحد و إن كنا نحترمها و نقدر أنها للصالح العام خاصة في ظروف كهذه التي نعيشها .

أما الذين يقولون لا فهم يعتقدون أيضا أن ترقيع ثوب مهلهل يزيد من تشويه صورته بل و ربما لحق الضرر مجددا بالجزء المرقع من الثوب ، فما الفائدة إذا من كل هذا المجهود و الخيط المستخدم في الترقيع و هو في نهاية الأمر قد بلى و انتهت صلاحيته ، كذلك من أسباب رفضهم للتعديلات صورة بعض الموافقين على التعديلات و أن غالبية أعضاء الحزب المحروق موافقون على هذه التعديلات ما يفتح بوابة القلق في نفوس الناس و يجعل التساؤلات تأخذ مأخذها إلى نفوسهم و هو حق مشروع للجميع فلا يعلم الغيب إلا الله .. مبررهم في رفضهم هو أن الدستور فقد شرعيته حين فقد مبارك شرعيته .. و العهدة على رئيس لجنة التعديل الدستوري أن الدستور لم يفقد شرعيته السياسية لأنه ليس بديلا عن الشرعية السياسية إلا شرعية الشعب و شرعية الشعب لا تكتب دستورا جديدا في يوم و ليلة إنما يحتاج ذلك إلى مدة طويلة .

خلاصة القول أن الجميع في كلا الفئتين يرى أن مصلحة مصر و الاستقرار لها كامن في منطقه المؤمن به و كلا المنطقين صواب لا غبار على شيء فيه ، لكنني معترض على بعض الطرق المستخدمة في التعبير عن الرغبات على صفحات الفيس بوك مثلا و التي تحمل هجوما شرسا من البعض على البعض الآخر و ليس الأمر للتعميم أبدا فهناك أيضا نماذج رائعة قرأتها بعيني في الاختلاف حول نقطة الموافقة أو الرفض للتعديلات الدستورية محل الحديث .

أنا لا أفرض رأيي على أحد لذلك لم أسرده في هذا النص ، الهدف الأوحد من كتابة وجهتي النظر و سردها بهذه الطريقة هو دعوة للجميع بالاتزام بثلاثة أمور لا رابع لها .. احترام وجهة نظر الآخرين أيا كانت و التفاعل في الحوار بأخلاقيات الإختلاف فما صنعناه من ثورة عظيمة يشوهه التناحر بين بني البلد الواحد و الذي هو في أصله اتفاق لا اختلاف فالكل يسعى لمصلحة مصر ، الأمر الثاني أننا جميعا سنتجه إلى صناديق الاقتراع و ندلي بأصواتنا نعم أو لا في الخانة المخصصة لذلك ، الأمر الأخير هو أن الكل مؤمن بنزاهة الإقتراع موافق على نتائجه ..

كلمة أخيرة .. ميدان التحرير ليس بعيدا و ميادين مصر كلها بين أيدينا و من أحيى حريته بيده لا يمكن أن يترك لأحد فرصة لقتلها مرة أخرى .. لذلك لتهدأ نفوسنا و لنمارس حياتنا و حقوقنا السياسية و ندلي بأرائنا في مناخ وطني أخوي لا يفرقنا في شيء و تجمعنا فيه مصلحة مصر .

1 التعليقات:

just dream يقول...

انا احترمك كلامك جدا وهو ده اللى اغلبنا بيتكلم فيه انه يكون فيه حوار هادىء محترم بينا نقول راينا ونسمع راى غيرنا ولكل منا حججه واسانيده فى رايه وف الاخر الصناديق هيا اللى هتقول كلمتها يبقى مفيش داعى نخسر بعض
وعلى فكره فقهاء الدين كانوا دايما مختلفين وكان لكل واحد وجهة نظره وتبريراتها وللعلم كلا الرأيين كانوا صح
ودايما بذكر قول الله عزوجل
ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا
ده غير اغلب الايات اللى بتتكلم عن الاختلاف ليوم الدين هذه طبيعه كونيه
لكن اللى بيحكمنا هو سلوكنا ومدى رقينا وتحضرنا لما نحترم الاراء المعارضه لينا
تحياتى لمقالك الجميل

 
') }else{document.write('') } }