أيام الوحدة - جمرات ملتهبة - الحلــ3ــقة

هناك في تلك الديار القريبة من المسجد الأموي بدمشق.. تجمع سكاني بينه تلك القهوة التي يجتمع فيها رجال ذاك الحي الشعبي .. بعد ليلتين تلتا خبر الإتفاق على الوحدة بين البلدين وإعلانها رسميا .. وفي إحدى سهرات أهل حي الصالحية دارت أحاديث كثيرة يتنبأ فيها الحاضرون بمستقبل بلدهم خاصة وأن حكمهم اليوم أصبح من غيرهم ..أو أنه لا يعرف حياتهم وطبائعهم.. بعدما انتهى الحكواتي من حكايته تلك الليلة..تكلم أحد الحاضرين.. يا رجال..لا بد ان نتحدث في شؤون بلدنا ..كيف سنتصرف مع هذا الحكم الجديد..وكيف سيكون؟ اهدأ يا أبا فارس..خيرا سيكون بإذن الله..إخوتنا الأشقاء في مصر المحروسة أناس كرام وذوو أصل..وموافقة زعيمهم عبد الناصر على لم شملنا في وحدة عربية تنبئ عن ذلك ..قد سمعت كثيرا عنه..يقولون أنه بعدما ثار على فاروق ملك مصر السابق أراد أن يجمع العرب في وحدة شاملة تجمع الأقطار كلها..ولي هذا فحسب بل أنه أراد أن ينصب نفسه زعيما عربيا عليهم ويستعيد الحق المسلوب منهم.. قاطعه أبو نادر ..ماذا تقول يا رجل..سيد أبو مازن تقول هذا عن شخص لا تعرفه..وليس السامع كالرآئي..أخشى أن يفعل بنا كما حاول محمد علي فعله منذ زمن ألا تذكرونا ما كان يحكيه أباؤنا عن تلك الفترة.. كان الحكواتي مايزال في مكانه فتكلم حينها..يا سيد أبو نادر..محمد علي لم يفعل شيئا يسيئ إلينا كل ما أراد فعله أن يجعل من بلادنا مصرا أخرى ونسي مع هذا أن طبائع الاجناس تختلف.. ولربما كان عبد الناصر خيرا لنا ثم إن زعيمنا أعزه الله وأكرمه..الزعيم شكري لم يكن ليفرط في أرضنا بهذه السهولة إلا إذا كان على دراية بما يفعل.. كونوا على إطمئنان أسيادي الكرام.. ثم استأذن ورحل ..وظل الحاضرون في سهرتهم الرمضانية يحكون ويتخيلون ... يأملون ويتصورون حالة حياتهم بعد هذه الوحدة التي طالما بشرهم بها خيرا زعيمهم..

مضى الليل وبثت آشعة الشمس خيوطها وكسرت تلك الظلمة..ودبت الحياة في تلك القرية المصرية..ما بين بائعون متجولون.. وآخرون بعرباتهم يقفون..كل ينادي على بضاعته ويطلب الرزق.. أجواء الحياة يملأها شيء من البهجة..الحديث بين الناس لا ينقطع عن خبر الوحدة.. وعلى بوابة المضيفة يقف ذاك الغريب يستأذن بالدخول على كبير القرية السيد أبو النور.. فسمح له بالدخول لمجلس الكبير.. سلم وجلس وبدأ يتكلم مع أبو النور شيئا بصوت خافت مرة وأخرى بصوت عادي.. كلما سمع السيد أبو النور منه شيئا تمعر وجهه وبدأت ملامحه تتغير.. كان ذلك في دخول السيد أبو المجد المضافة ..وما إن لمح وجه الكبير وشعر بشيئ في نفسه.. استأذن ذاك الغريب وراح خارجا على وعد منه للسيد أبو النور بموالاته بالاخبار أولا باول.. جلس السيد أبو المجد.. مرحبا أبا المجد..أراك تركت الوحدة ولم يحن العصر بعد ما الأمر هل من شيئ هام جاء بك؟ لا شيئ..لا شيئ..قلي سيدي من هذا وما خبره.. ولم ألااك محمر الوجه هكذا.. .. ها.. لا شيئ يا أبا المجد لا شيء..أخبرني أنت ما الأمر.؟ كنت عائدا لبيتي لأقضي حاجة لأهلي فحدثتني نفسي بالمرور إليك.. حمد لله أني جئت أخبرني بالأمر سيدي لا تخفي شيئا.. حسنا يا أبا المجد ولكن أغلق الباب أولا.. يبدو أنه أمر كبير إذا.. إن صح ما قاله الرجل فهي داهية الدواهي وليست بخير.. أسرع أبو المجد بإغلاق باب المضافة..وعاد ليسمع الحكاية.. ,, أتعرف من الرجل يا أبا المجد؟ لا والله غريب لم أره من قبل.. اقترب منه قليلا.. هذا الرجل عين لي في مخفر الشرطة الذي نتبع له ..أخبرني بشأن شديد الخطورة.. ما هو سيدي.. أخبرني بحالة تعذيب في أحد السجون بالواحات.. والأدهى من ذلك أن السجين سياسي والكارثة أنه مات من التعذيب وكتم الأمر وبعثوا به إلى القاهرة في الخفاء وبكل قسوة قلب دفنوه فجر البارحة دون علم أهله..وبعثوا خبرا لأهله بوفاته مدعين أنه انتحر.. وأن القرارات صدرت بدفنه سريعا, فجع أبو المجد عندما سمع الخبر.. يالله كارثة حقا..لو علم أبو سعد هذا الخبر لأحترق قلبه على ابنه الأسير .. اهدأ يا أبا المجد صالح ليس أسيرا سياسيا ثم إنه في سجن القاهرة ليس في الواحات..ولكن ما هذا؟ ما كل قسوة القلب هذه؟ ولم يفعلون ما يفعلون..؟ وصار يحدث نفسه كأن شيطانا مسه أو أن عقله ذهب ..من فجعة الخبر.. يالله يارب الطف بنا فيما جرت به المقادير.. ويريد أن ينصب نفسه زعيما للعروبة ويدعي الشهامة وأنه موحد الأقطار.. اهدأ أبا المجد أخشى أن يسمعك أحد ويكون ما يكون.. كيف أهدأ..كيف؟ أراد أن يمد نفوذه على غيرنا أيضا ليسومهم الهوان كما يجري في مصرنا سيدي.. ليس هذا بالجديد..منذ أن ثار بثورته تلك وكل يوم نسمع اخبارا غريبة تشيب لها الرؤوس لكننا لا نصدق أو نكذب أنفسنا لأننا لسنا موقنين مما نسمع.. حتى أخبار الأسرى في السجون..نصدق أنهم أرادو الخروج على السلطة.. ولو فكرنا للحظة لأيقنا أنهم دعاة خير ..لكننا نسكت ونصمت..رحمة الله على الأيام الخوالي..كنا نقول عن فاروق أنه جبروت..فأتانا فرعون وطواغيته.. ولكن قلي سيدي من هذا الرجل حتى يخبرك بهذا..حتى وإن كنت طلبت منه ذلك.. لا تكذب ما سمعت الرجل ياخذ مني ما فيه نصيبه فلم يذل علي بوشايات..قال لي أنهم كلفوه بإنهاء بعض أوراق الحادثة.. سكت مليا..ثم قال بعد تنهيدة طويلة..إذا كان الله في عون هؤلاء المساكين الذين أوقعوا أنفسهم تحت حد السكين..

انقضى نهار ذاك اليوم..واجتمع بعض من أهالي القرية في المقهى في سهرة تلك الليلة ليتسامروا ويرتشفوا القهوة على حكايات الحكواتي الشامي الذي جاءهم من بلد أصبحت وإياهم جزءا واحدا.. وفيما هم منصتون لحكيات الحكواتي.. سمعوا صوت طلق ناري ..أربع طلقات متتاليات وأخرى بعد دقائق..فجعوا جميعا وارتبكوا..أغلق صبي القهوة بابها عليهم..وظلوا ينظرون من طاقاتها بحذر شديد ويهمسون بينهم كل يغني على ليلاه.. يا ترى مالأمر يا أبا النور ؟ لا أعرف والله..علمها عند الله..لنخرج سوية يا رجال لنتفقد الأمر..أصروا وأصروا عليه أن يبقى حتى يهدأ الحال ثم ينظروا ما الحكاية..

هذه أول مرة يسمع صوت طلق عيار ناري في جوف الليل في قرية الدراويش.. ربما يخفي هذا الطلق وراءه سرا.. فما هو ؟

15 التعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
باان انااول وحده اعلق جبيت اقلك الحلقه حلوه من البدايه الان الاتحاد او التجمع فى حد ذاته قوة وان الناس لو كلها امه وحده متجمعه بيحبو بعض اكيد هيكون فيه امن
كل ودى لك
سلام

تلميحاتى - يوسف الشافعى يقول...

تحياتى وعرفانى بذلك المجهود الفكرى الذى تبذله فالاحداث مرتبه وكأنما تعيش بهاوكأنى اتابع فيلم حقيقى فالمشاهد مرسومه بالكلمات
الا أن هناك بعض الاخطاء فى الكتابه يفهمها المتابع للروايه وستغير المعنى مع من يقرأون البوست او جزء منه كما انك ماشاء الله تمزج بين اللهجه العاميه واللغه العربيه باحتراف
الرجاء التدقيق فقط وانت تنقر على الكيبورد رجاء الغى اختيارات الهويه من التعليق لانها تأخذ بعض الوقت
استمتعت انا شخصيا وسأتابع لانك تسرد فتره مهمه من التاريخ على متابعتها حتى اشرب مايخفى على من تلك الفتره ورجاء كن حيادى لوصفك فى المرحله التاريخيه

غير معرف يقول...

اية دة ؟؟!!لية كدة):
انا كنت عايزة اعرف اية حكاية الطلق النارى دى .......ماكنت تكملها ياربى !!!!!!
انت عارف ازاى تخلى الواحد يضغط على نفسة عشان يشوف الحلقة الى بعدها
هحاول .بدد تحفة اوى المرادى ومشوقة جدا اكتر من الى قبلها
سلامااات
نيرة احمد محمود

لؤلؤة الاسلام يقول...

ما شاء الله
مدونة متميزة اخى
كاتب مصرى

و كل عام وانتم بخير
رمضان كريم
و تحيااااااااااااتى

ندا منير يقول...

كل جزء بلاقيه احلى من التانى وبيشوقنى اكتر من الاول ورايى ان الجزء دا احلى الاجزاء
وبالنسبة لكلامك فى بداية الموضوع فعايزة برده اقولك انى بتمنى ان مصر ترجع تانى فى حكم واحد زى محمد على عشان فى حكمه كانت مصر بلد عظيمة قوى ولكن بقى فى حكم الملك فاروق مصر ادمرت وانهارت بجد بتمنى ان زمن محمد على يرجع تانى
طبعا هو حلم بس حلم يستحيل تحقيقه بس اهو لازم نحلم عشان نعرف نعيش
ومستنية الجزء الرابع
وبالتوفيق

tarek alghnam يقول...

كاتب مصرى
ماشاء الله على طريقه سردك
ماشاء الله استمتعت جدا بهذا البوست الرائع
تقبل تحياتى
وكل عام وانتى بخير
والى الله اقرب
تقبل تحياتى
ودمت بود

Unknown يقول...

بطوط أول تعليق مش ممكن أبدا..ازيك شكرا ع المرور الجميل ده

تلميحاتي..
شكرا لك على المرور وملاحظاتك سآخذ بها فعلا..لك ودي

نيرة..
هتعرفي الطلق الناري ده منين لو تابعتي الحلقات الجية هتكون مشوقة إن شاء الله.. مودتي لك

خديجة محسن..
كل ودي وامتناني وشكرا على المرور

ندا منير
ربنا يخليكي يارب تابعيني وهتتبسطي قوي بإذن الله..كل ودي وعلى فكرة الحلقة الجية بكرة بإذن الله

طارق الغنام..
شكرا يا سيدي أتمنى تتابع بقيت الحلقات وتتبسط منها وتعجبك وأشوفك هنا دايما
كل ودي لك

أشكركم جميعا وتقبل الله منا ومنك صالح الاعمال

HANY YASSIN يقول...

السلام عليكم
الوحدة مبدأ رائع لكنه مثل بقية مبادئ الثورة تبحث عن رجل محترم يطبقها ولم يكن احد من المسئولين هكذا
بالطبع اريد ان اسأل عن الطلق الناري لكن علينا ان ننتظر
اسلوبك نضج بشكل يدعو للاعجاب

لا نسيان ولا سهو صراحة المشكلة انني كنت اقرأ كل يوم نص طويل لك فجعلني هذا ابتعد واذا حاولت ان كتابة اي تعليق بلا هدف وبقراءة سطرين من العمل سأكون كاذب لذا ابتعدت
انت عندما بدأت في عالم التدوين اخترتك كواحد من احسن كتاب المدونات ووضعتك في قائمة مدوناتي المفضلة وتقدر ان ترى هذا اتمنى ان ارى ردك على نصي صديقي العزيز
هذا ايملي
hany_yanoo@yahoo.com
دمت بكل خير
هاني يس
رمضان كريم

غير معرف يقول...

عزيزي كاتب مصري

مازالت قصتك تشدنا
في رأيي ان لكل عصر مميزاته و عيوبه و كتير لما عصر بينقضي بنبتدي نتمني عودته خصوصا لو العصر الجديد متعب حبتين
اسلوبك شيق
بتمني ليك دوام الابداع
تحياتي ليك

Foxology يقول...

القصة جميلة جدا انا قريتها لحد الحلقة دى

فيها تشويق وفيها نزعة ادبية راقية

تحياتى وفى انتظار باقى الحلقات :)

سنووايت يقول...

ولايزال التشويق مستمر
مستمتعه جدا بالقراءة وكأني أستمع لحكاية يحكيها أحد من عاشوا هذا العصر
رأيي النهائي هيكون في اخر حلقة ان شاء الله
عذرا للتاخير ولكن كان مش ظاهر عندي ان الحلقة الجديدة نزلت
تمنياتي بمزيد من التقدم والرقي

Amgad يقول...

بصراحة لم أقرأ البوست جيدا لمني نظرت عليه عامة.. يبدو كلاما رائقا لي لذلك سأعود لقرائته حتما ومؤكد ذلك ولكني الآن في عجل فأحببت فقط دعوتك دعوة خاصة مع باقة فل وياسمين لزيارة مدونتي وترك لمساتك هناك فذلك يشرفني
أنتظر الزيارة والتعليق إن أهجبك شيئ هناك
تحيتي
مدونتي هنا
http://kanyatklam.blogspot.com
ههههههههههههههه
علي فكرة تعليقاتك مستفزة لاقصي درجة

Amgad يقول...

كاتب مصري يقول...

يوم لما شفت تعليقك في مدونتي فرحت جدا انك استجبتي لدعوتس أو عجبك شيء في المدونة وفرحت أكتر عشان هأكتسب قارئ جديد ومعلق على كتاباتي بس مش عارف انقطعتي ليه مع اني بأنتظر تعليقاتك باستمرار ممكن أعرف السبب ولو مكانش فيه غير السهو والنسيان يبقى مدونتي مازالت تنتظرك..
كل ودي


اصل جنابك نسيت وبعتلي تعليق م اللي بيتبعتهم لبنات مش لرجالة
انقطعتي واستجبتي
ايه يا عم
وبعدين انا عمري معلقت عندك ولا هعلق
وبعدين تعليقاتك دي بشوفها في الف مدونة كوبي بيست بجد حاجه تنرفز
قد تكون مدونتك جامده
ولكن فعلا كده محدش هييجي
لان الدعوة مستفزة لكل الناس
عموما انا مش بختلق شجار
ولكن اعتبرها نصيحة

Desert cat يقول...

هتابع الحكواتى
يمكن اعرف السر
:)
تحياتى

أكون أو لا أكون يقول...

ماشاء الله اسلوبك مشوق جداً...
في انتظار الحلقه الرابعه إن شاء الله ...
تحياتي...

 
') }else{document.write('') } }