لم تمض ساعات طويلة وخرج الطبيب من غرفة العمليات ..الحالة مستقرة ..لكن لا بد أن تظل في غرفة الإنعاش حتى يبقى الوضع كما هو.. يبدو أنها نزفت كثيرا في هذه العملية..لم يكن من الضروري أبدا أن تتهوروا في التفكير في هذه العملية أبدا..شعرت وانا أفعلها أني أقتل نفسا بشرية حية بيدي..أمعقول هذا..أنا لا أصدق..لأم يخبرني أحد أنها في الشهر الرابع..ثم ولم تجهض أليس لها زوج.. هذه أمور عائلية يا دكتور لو سمحت... بل هو أمر ديني سيدتي.. أقسم أن هذا الامر فيه شيء من الحرام..أنا متأكد من ذلك وإلا ما الذي يجبركم أن تجهضوها في الشهر الرابع..
سكتت الأم قليلا..ُثم نطقت لا حول ولا قوة إلا بالله .. وارتمت على الكرسي تبكي بحرقة ..حسبي الله ونعم الوكيل في من كان السبب..
الطبيب لا يعرف أن هذا الملاك الطاهر الفتاة البريئة لم تخطأ أبدا..غنما هي الظروف كما قالت والدتها.. قليل من الوقت..مدير المستشفى يطلب مقابلتك سيدتي..قامت تترنح تستند على جدران الممر خشية السقوط ..ووصلت غرفة مدير المستشفى.. السلام عليكم.. وعليكم السلام..تفضلي سيدتي أم رؤى..
جلست على الكرسي أمام مكتبه ودموعها تغرق عينها..لا ليس هكذا ابنتك لا تحتمل أن تراكي بهذه الصورة أبدا..ثم إها في حالة نفسية سيئة تحتاج إلى من يرفع معنوياتها.. ولكن ..حسبي الله على من كان السبب.. سيدتي لا تغضبي مما قاله الطبيب ..بلغني ما قال..هو لا يعرف أن زوج ابنتك قد توفي في حادث وأن أهله رفضوا أن تبقى ابنتك معهم أو أن ينسبوا الجنين لأبيه يوم أن يولد.. لا يعرف لم يتكلم إذا..معذرة سيدتي هو رجل ملتزم متدين عندما رآى نفسه في هذا الموقف غضب وثار.. كان من المفترض أن تحاولوا استراج نسخة من عقد الزواج الذي يثبت زواج ابنتك من المرحوم حتى تنسبوا المولود لأبيه وتبتعدوا عن مثل هذه المجازفة بحياة الفتاة.. حاولنا..أقسم لك سيدي حاولنا ولكن لم نستطع..ليس معنا أحد سوى الله ..كان الله في عونكم..تصبري وسيكون الخير بإذن الله..لا تري ابنتك حالتك هذه أبدا..
بقيت رؤى في الإنعاش ثلاثة أيام..نقلوها غرفة عادية بعدها ..ظلت يومين آخرين في المستشفى ثم سمح لها الطبــيب الذي تولى حالتها - بعدما رفع الطبيب الذي أجرى العملية يده عن حالتها مدعيا أنه بذلك شارك في جريمة يعاقب عليها الشرع قبل القانون – بالخروج والعودة غلى بيتها..
كانت رؤى قد بدات تتحسن حالتها النفسية شيئا فشيئا مع الوعود التي قدمها لهم المحامي في الدعوة القضائية التي أقاموها ضد أهل زوجها المرحوم.. لكن يبقى عليها الآن مواجهة الحياة الجديدة وسط مجتمع لا يعرف الرحمة..ربما يعي الناس حالتها..لكن أحدهم لن يرضى الزواج منها بعدة انها أرملة قال فيها الناس ما قالوا وفعلت ما فعلت..وهي من ذلك كله براء..
شيء خالط نفسها فعكر صفو حياتها..عندما عادت لتستعيد ذكريات فرحة زوجها المرحوم بذاك الجنين..كان ولدا..أخبروها بذلك في الشهر الثالث قبل وفاة زوجها بيومين..كان سعيدا بذلك ..ومن ذاك الحين بدأ ينتظر قدوم مولوده ليجعله سلطان زمانه..لكن القدر لم يمهله..فكأن الفتى بكى والده قبل أن يراه فأصرت الحياة أن تلحقه به..
الخطيئة.. الجريمة.. الشرف ..كلها أشباح ظلت تروح وتجيئ في مخيلة رؤى..تخسى عقاب الناس اللاذع الذي يقتل الإنسان وهو حي..هي لم تفعل شيئا تخاف منه..لكنها تخشى عواقب أمر ليس لها ناقة فيه ولا جمل.. فهل سيعود حق رؤى .. هل سترفع المحكمة لها راية الشرف و تقتص لها حقها من هؤلاء الظلمة ..
يوم الجلسة في المحكمة..كانت رؤى هناك مع والدتها وعمها والمحامي الخاص بهم..لم يحضر من أهل زوجها أحد..بل ناب المحامي عنهم ..ونودي على القضية..جلستها سرية فهذه محكمة أسرة ..
ودون أن يسمع القاضي من أحد شيئا..نطق بحكمه من الجلسة الأولى..حكمت المحكمة حضوريا بنسبة الجنين المقتول لأبيه شريف عبد القادر... وتغريم والدته رؤى السيد عبد المقصود دية مقدارها ... تسلم لأهل والد الجنين لإقدامها على قتل الجنين بالإجهاض بعد الشهر الرابع ودون العودة لأهل زوجها في ذلك.. رفعت الجلسة..
لم تحتمل رؤى سماع ما كان..ماذا جرى ..ما الأمر.. لم يكن المحامي قد أخبرهم بشيء لسوء الأمر لكنه كان يتفائل خيرا..وهذا لم يكن.. صرخت والدتها في وجهه ..ماذا حدث..قد كنت قلت وقلت ..كيف حدث هذا..
اهدئي سيدتي..قد فعلها أهل المرحوم وتقدموا بعقد الزواج للمحكمة وأثبتوا صحة الزواج ونسبة الجنين لأبيه بعدما علموا بالإجهاض..كل ذلك رغبة في التعويض ليس إلا..الأمر كله هو هذا ..حمدا لله أنها مسألة تعويض..
جعل الحزن يكل قلب رؤى..حسرة على جنينها وعلى ما كان.. يبدو أن القدر كتب عليها الحزن الأبدي وألما نفسيا لا يفارقها..