أن يفعل القدر به ما فعله ذلك اليوم لكأنه مناد بين يديه نذير مبين.. خرج يومها متجها لعمله وسماء الكون صحوة .. بعدما ابتعد عن طريق العودة اجتمعت السحب في السماء مكونة غماما ممطرا ورعدت وبرقت وهطلت الأمطار بغزارة فأصابت منه كل جزء في كيانه حتى أضحى غريقا في بحيرة وليس سائرا في طريق.. لم يقف له أحد سائقي الأجرة وأكمل طريقه سيرا وبرودة الهواء تخترق جسده لتتعمق بين أضلاعه..يرتجف وتتخبط أسنانه . وأخيرا وصل لمكتب العمل..
لم بجد أحدا هناك..أخرج مفتاحه من البحر الذي في جيبه.. فتح الباب ودخل لعله يجد كرسيا يرتمي عليه يريح جسده ويشعر بقليل من الدفء ..بمجرد أن التقط أنفاسه إذ برائحة الغاز القوية تغتال أنفه .. جريا إلى اسطوانة الغاز ليجدها تسرب بشدة والمكان ملغم بالغاز لو أن حذائه أصدر احتكاكا بالأرض لأخرج شرارة أودت بحياته .. أغلق الاسطوانة وفتح كل النوافذ وجلس يسبح في بحر الهواء الثلجي ..
فيما هو كذلك إذ كلمته..تحدثت إليه.. أشرقت الشمس في عينيه وامتلأت روحه بهجة ونسي كل ما كان مع أنه أخذ شتاء كاملا على رأسه وكاد يموت مختنقا..لكن حديثها جعل العشق ينساب في أنفاسه فيفسح فيها للهواء مجالا.. همسها أشعره بالدفء ولم شتاته المبعثر ..تاه معها في لحن سحرها العاطفي الدافئ..لا يدري أحدثته حقا أم أن اشتياقه لها وفراغه الذي كان به صور له ذلك ..رآها متجسدة أمامه قرأ على ملامحها أغنية حبهما.. ضحكتها أطارت كل رهبة كانت في قلبه.. عقد النية أن يذهب إليها ليراها حقا..
عاد إلى بيته بدل ملابسه ونزل فورا وأخذ سيارة أجرة لينتقل بها إليها..نزل منها بعد مسافة ليستقل أخرى تكمل له المشوار..سار ليعبر الطريق..مرت دراجة نارية مسرعة من أمامه كأنما يقودها مجنون ولو أنه خطى خطوة واحدة لطار في غمضة عين وانتهت حياته بطيش فتى أهوج.
أنجاه القدر بأعجوبة..حمل على قلبه ثقلا أتعبه بشدة..وصل أخيرا لبيتهم..استضافه أخوها ..لا أحد يعلم خبرهما .. ظل جالسا حتى طلت أنوارها وملأت المكان عطرا فواحا وشذا طيبا.. أمطرت السماء ثانية.. تمنى لو يدوم المطر ويبقى ليلته تلك معهم فما أجمل أن يتصبح قلبه على قمر الوجود..لكن الوضع لم يسمح بذلك..
عاد لبيته بعدما داوى قلبه القدر من صدمات يومه الثلاث.. الشتاء الذي كساه ثوب المطر والغاز الذي تغلغل في أنفاسه والدراجة التي كادت تنهي حياته.. ثم ما فعلته الأقدار الإلهية حين ربتت على قلبه الوديع بنظرات حب وصوت بديع وأنفاس أنثى قلبه التي أقسمت الأيام أنه لم يخلق نصف ليكمل نصف إلا كما خلق هو وهي..
سمع صوتها قبل أن ينام..أحبك.. خيال أم حقيقة..شعر أنه غائب عن وعيه..أزارهم حقا..هل حاكته وحاكاها..أم هي أحلام اليقظة تاهت به بعيدا عن مسارح الالم التي رآها ذات اليوم؟..
غادره النوم وبقي في حلم الحياة الوحيد.. حبها وقربها .. أجمل أقدار حياته..نعيم قلبه ورواء روحه دائما ..هي بعد كل ألم..
راح فكره يعيد شريط الأحداث فيما كان معه يومه ذاك. من شتاء الدنيا لصيف الحب.. من سيول الدنيا لشاطئ جفنيها.. من برد الحياة لدفء قلبها.. من اختناق الأنفاس إلى فسحة الروح بين عينيها.. رحلته هي بين الشتاء والصيف.
( هذه الحكاية مستقاه من مواقف حقيقية ركبت عليها حكاية الحب كي تتناغم رومانسية قلبي مع ألم المواقف.)