شيء من داخلها يناديها..لا بد أن ترحل الآن.. لكن المحاضرة لم تنته بعد..تستحي أن تأخذ إذنا من المحاضر خشية أن يحرجها.. فجأة وبدون مقدمات رأتها أعين زميلاتها تمر من وسطهن حتى وصلت باب المدرج ..خلسة فتحته وانسلت هاربة.. أخرجت هاتفها..يالله ثمان مكالمات مفقودة..هو ..تأوهت وبخطوات سريعة تمشي وهي تقول (هيخرب بيتي)..أوقفت سيارة أجرة وطلبت منه أن يسرع وما شاء ستعطيه إياه.. وفعلا سبعة دقائق وكانت أمام العيادة..حاسبت السائق وأسرع من البرق كانت على باب الغرفة تطرقه..أخبرتها الممرضة أنه مشغول في حالة ..لكنها لم تأبه..فتحت الباب و دخلت ..صرخ يحسبها الممرضة..وجدها هي..تركها تدخل.. معذرة سهام انتظري على مكتبي ريثما أنهي ما بيدي.. لا بأس سأنتظر..
جلست على مكتبه وأمسكت هاتفه تلعب به..أنهى ما بيده وخرج المريض.. لم تأخرتي ؟ميعادنا منذ ساعة إلا ربع.. حبيبي لم يحدث شيء.. من الأساس أنت مشغول.. عندما اتصلت بك لم يكن لدي حالات كنت سأخرج.. الآن من رأيتي في الخارج أتو حالا.. وبتنهيدة عالية.. حسنا الآن اذهبي إلى بيتكم وعندما أنهي ما بيدي سأتصل بك .. , لن نخرج اليوم.. لا أعرف..سهام افعلي كما قلت.. وداعا..
ثار قلبها من طريقة كلامه لها.. استفزها بشدة يتكلم ببرود شديد بعدما كان يتشوق فقط لرؤيتها أو الحديث معها.. تركته وذهبت.. ودموعها تأبى أن تسيل حتى وصلت إلى سريرها وبدأ البكاء يفجر كل آلامها..هذه ليست المرة الأولى ...قد تغير كثيرا معها الفترة الأخيرة.. هو يكبرها بست سنوات..دائما ما تقول لنفسها هو أكبر ويفهم أكثر..يحبني نعم..لكن عيادته لعمله..تحاول أن تقنع نسها بهذا.. وعادت لبيها..
مرت ساعات اليوم ولم يتصل وكلما حاولت أن تتصل..الهاتف مغلق.. احترقت ألما أكثر..ليس بيدها شيئا تفعله..سكتت .. لا يعرف أحد من أهلها الأمر.. ظلت جالسة على سريرها كالقرفصاء..لا تنطق.. ولم يتصل طيلة اليوم..مر الليل طويلا ثقيلا..أرهق عينها البكاء وأحرقت نفسها الآلام..
تحبه بطريقة جنونية.. كما لو كان روحها التي تسكن بين جنبيها..تحب ضحكاته لمساته..همساته..تحبه حتى ولو صرخ عليها.. ولو ضربها يوما فستحبه أكثر وأكثر.. تعشقه بكل حواسها ..
بقيت هكذا حتى مضى الليل الكئيب ..قامت تصلي الفجر..ما إن خرجت من غرفتها..حتى سمعت هاتفها يدق عادت سريعا..وجدته قد اتصل وما لبث أن أغلق.. (رنة) تبسمت ابتسامة عريضة.. هو بخير.. وما زال يتذكر.. ثم عادت فقطبت وجهها لأنها اشتاقت إليه..لصوته لكلامه..حاولت أن تتصل لكن دون جدوى فهو لا يرد أبدا.. عادت وقامت تصلي.. قضت صلاتها.. وانتظرته يتصل..لم يفعل..أتصلت هي أكثر من عشرة مرات..أخيرا ..ألو.. ازيك يا سهام.. صدمت من الصوت.. ماذا حدث؟ ما به صوتك حبيبي..؟ تكلم ..انفجر بالبكاء ولم ينطق بحرف حتى مرت دقائق كثيرة..انتهى رصيد هاتفها وانقطع الخط.. كالمجنونة..أخذت غطاء رأسها .. وخرجت مسرعة تشتري بطاقة شحن..
تبحث عن أي مكان..سنترال أو حتى بقالة.. تجري دون أن ترى أمامها..حتى وصلت عند تلك البقالة في أحد الشوارع الجانبية دفعت وأخذت البطاقة وبأسرع من البرق أعادت شحن رصيدها.. وعادت مسرعة كما ذهبت واتصلت مرة أخرى..
(إياد حصل إيه قولي الله يخليك متحرقش قلبي أكتر... مفيش يا سهام مفيش خلاص ريحي بالك انتي.. ) دمعت عينها دون سابق إنذار..(حبيبي إياد فيه إيه قلي ربنا يخليك مش احنا واحد قول) (ومش هتزعلي يا سهام) (قول خلصني والله ما هزعل منك يا حبيبي قول بأه) فبدأ يحكي..(إمبارح جاني كشف منزلي بعد ما إنت مشيتي..قلت هروح وبعدين مش راجع العيادة وأكلمك ونخرج سوا..الكلام ده كان حوالي الساعة ثمانية ونص تقريبا..المهم رحت.. ) ثم سكت وانهار بالبكاء..(كمل يا إياد ها جرى ايه المريض مات يعني ولا ايه) (المهم رنيت الجرس فتحتلي وحدة شبه الشغالين..فقلتلها ستك فين ..قالتلي طب بس ادخل وأنا هقولك..دخلت..راحت على إنها تشوفلي طريق أدخل للحالة .. وفجأة فتحت باب الأوضة وخرجتلي بشكل تاني تماما غير الي فتحتلي بيه الباب..عرفت بأه إن ده ملعوب..مقلب يعني عشان تسحب رجلي عندها..جمال ايه وريحة مش عارف كإنها خدرتني..طار عقلي ومعرفتش أقف)
كلماته تنزل على قلب سهام كالسكاكين تقطع قلبها وأحشاءها..لإنها تعرف البقية ..ظل يكمل وهو يبكي حتى أنهى كلامه.. حاولت أن تهدئ من بكاءه وهي نفسها تريد أن تبكي بحرقة .. تكلم هو يحاول أن يقنعها أن هذا حدث رغما عنه ..وهي تقول.. (أنا مش زعلانة يا إياد عارفة والله إنه غصب عنك) ثم ضحكت معه وراحت تحاكيه كي تغير تلك الكآبة التي انتابته.. وأغلت الهاتف وانفجرت هي بالبكاء تسب في نفسها وتلعن ضعفها الذي جعلها تكتم حرقتها وتظهر سماحها له حتى دون أقل معاتبة..
للحكاية بقية