لــعـنــة الحب

المراهنة في الحب خسارة حتى ولو كانت مضمونة .. لم تعرف في حياتها سوى دراستها وصديقتها وإن لم تكن لها صديقة مقربة تبثها ما بها ..

اعتادت أن تضع ما تحتاجه في دراستها على أحد المنتديات العلمية ومن لديه ما تحتاج يفيدها عبر تعليق يضع لها فيه موجزا لما تريد أو رابطا فيه استفاضة تفيدها أكثر..

مرة وضعت مسألة رياضية تريد مساعدة فيها..جاءتها ردرود كثيرة منها عنوان بريد الكتروني يعرض صاحبه المساعدة في اي شيء تريده..ذكر أنه معيد في إحدى الكليات العلمية ويمكنه موافاتها بما تريد في ما تريد.. لم تفكر للحظة بعقلها البريء وقلبها الطاهر أن يكون الأمر غير هذا.. قبلت البريد واضافته لديها..

كلما احتاجت شيئا تركته رسالة وانتظرت الرد.. مرة وأخرى..يترك لها ماتريد ويطلب منها أن يتحدثا سويا في موعد تحدده يشرح لها كتابيا ماتريده مما يفهم هو..ترددت قليلا.. لكنها وبنفس البراءة و عدم الوعي وافقت .. بدأ الأمر كما تكون العادة حديث في ما تحتاج فقط..تطرق قليلا بعد ذلك لحديث خارجي ولكن بحدود وبنسبة قليلة..هكذا حتى صار ما تحتاجه جانبيا وحديثهما الآخر رئيسيا..لم يخطئ معها في حديث أو يسيء إليه بكلمة كلها أمور عادية عامة.. منها إلى بعض الأمور الشخصية العادية.. إلى التفكير فيها والتفكير فيه..كروتين كل قصة حب تقليدية ..على مقربة من امتحاناتها طلب منها أن يحدثها في أمر يراه هاما...لم تظن أنه سيبوح لها بمكنون قلبه كانت تظن تفكيرها فيه وهما تعيشه هي وأنها بعيدة عن خياله.. لكنها تفاجأت بكلمة جرت في دمها بسرعة..شعرت بها وهي تتحرك في دمها كالسم سريعة ملأت روحها كلها.. أحبك..قالها ولم تتمالك نفسها..لكنه لا يراها..لا يسمعها..حاولت أن تذهب بعيدا عن هذا الحديث تحاول أن توصل له رسالة مفادها أنها لا تقبل بهذا الأمر خاصة هذا التوقيت فلديها امتحانات.. وعدها بألا يذكر ما قاله ثانية إلا إن وافقت هي..

شغل عقلها وخيالها وسكن قلبها فورا.. لماذا وكيف ومتى.؟ كلها أسئلة مجهولة الإجابة.. تركت نفسها معه تسرح بخيالها..لكنها لم تخبره بأي شيء.. جعلت تتأخر عن مواعيد حديثهما مرة وتلغيه مرات بحجة الإمتحانات.. لم يمل حاول كثيرا..حدثته نفسه أنها لابد يوما أن تكون له كما يريد..

بدأت الإمتحانات وكانت تتحدث إليه فقط وقتما تحتاج لشيء تفكيرها فيه لا يعني ان تترك دراستها من أجل مشاعر أسمتها مراهقة متأخرة.. لكن حبه كان يوما بعد يوم يكبر في قلبها..احتل كيانها كأنه روحها التي لا يمكن أن تعيش بدونها.. بقي إمتحان واحد فقط.. قررت أن تخبره بما في قلبها له..

كلمته..جعلت تذهب وتجيء من خلف الكلام ومن وسطه..حتى فوجىء بتلك الكلمة تظهر له.. أحبك.. ومن زمان كمان.. أظهر سعادة غامرة وفرحة عارمة كأن الأرض لا تكفيه ليحيا فيها بعدما قالتها.. شعرت بفرحة كبيرة أن يكون هذا هو أول من تعرف خارج عالمها الإفتراضي..تمنت أن يكون حقيقة لا حلما..

ويأبى القدر أن تتم فصول الرواية كاملة.. لابد أن يأتي الفصل الأخير أسرع مما يتخيله العقل.. ذبذبة وتلكؤ وإلغاء لمواعيد .. وعود كثيرة وقليل من فعل.. كأن الدنيا خلقت حكاية واحدة تتم بنصها وحذافيرها مع من ساء حظه ووقع في شراك الخدعة.. هكذا حتى تركها تماما متحججا أنه معيد وهي ما تزل طالبة ولا يمكن أن تتم بينهما أية علاقة قبل سنوات وهو يريدها الآن.. حجة كاذبة.

تجرعت من كأس الألم المرار والعلقم..ذاقت ألوان الأسى وحرارته.. يبدو أن الحب كما فيه رحمة فيه لعنة.. أيكون هذا قدرها لأنها صدقته واطمأنت إليه.. أيكون هذا جزاءها لأنها ارتاحت لرجل رسمت شخصيته في خيالها..أيكون من الرجال ذئابا تسرق القلوب فقط لتترك وراءها فراغا يمتلأ ألما ويحتشى وجعا وكمدا وحسرة.. أمعقول أن يكون هؤلاء بشر.. هؤلاء أشباح في ثياب رجال..تلسبت بهم لعنة الحب واختارت قلوبا بريئة لتضع رحالها فيها..

ليس كل رجال الدنيا هكذا..لكن من مأمنه يأتي الحذر..

هناك من يخلص بصدق..هناك قلوب تحيا من أجل أن تحب حقا..حبها حرية لمن تحب..مشاعرها إخلاص ودفء وأمان..

(ربما يكون هذا النص موجزا بأسلوب تقليدي لكني لم أجد وسيلة أعبر بها عن ألم أعيشه حقا من أجل من تحل بهم لعنة الحب الكاذب ومأساته من الفتيات سوى هذه الكلمات التقليدية.)

من " تجربة حب "

لا تكاد الذكرى تترك قلبا خاليا .. لحظات ألم و لحظات فرح.. لحظات حب ولحظات جرح.. تترجم الأجفان هذه الذكرى دمعا والقلب في روحه أنين بوح..

لحن الموسيقى قد يكون دواء شافيا أو سيفا قاتلا.. عندما أستمع لصوتها العذب أتذكر حقا شتاء أحببت فيه وذقت طعما جديدا في بحر الحب.. وحينما أسمع صوتها عن بعد أتذكر حقا أن حياتها كما قالت لي لن تنتهي بعدي..

لست باحثا في دواخل القلوب عن رأفة أو شفقة بقلبي الذي تألم..لكن قلبا ما هو الذي جذبني إليه ليسقيني من عسله ورحيقه شراب الحب النقي البريء الطاهر.

خيبة الأمل ولو مرة واحدة تهدم صرحا بنته الأيام من الأحلام .. لن يعتدل للقلب حال بعدها سوى ببناء كامل مجهز من الحقيقة لا الخيال..

تيار الحب يمر عابرا على القلوب موجات قلب الأنثى اكثر التقاطا وأجود بثا عن قلب الرجل .. وعين الرجل وسيلة نقل قوية لإستلام إشارات التيار وحفظها في قلب لن يعرف القسوة بعدها ابدا.

لغة الحب ليست حروفا تكون كلمات..هي ذبذبات قلب تفيض سيلا من مشاعره تترجمها برودة الكيان وارتجاف اليدان ودمعات العينان.

بقية مشاعر الحب الندم.. وستار النهاية كلمات من قاموس القسوة لا يحتملها قلب عاشق.. ولا يسكن جراح الحب سواها.

إذا أوصد باب القلب عن الحب وأغمضت العين عن رؤية الجمال ..ينتهي بذلك عرض أبطال الرواية.. لن يلعب القلب دور البطل مرة أخرى أبدا.

الذكرى ناقوس معلق بالقلب لا يصدأ ولا يضعف صوته.. والأيام ليست كفيلة بالنسيان تأخذ القلب لألم آخر أو تتركه في وحل الماضي أبدا .

إذا شعرت الروح يوما بنسيان جرح كان .. فهي الذكرى تنادي ولا بد أن يصحو الجرح.

(هذه الكلمات من نص "تجربة حب" ضمن نصوص كتابي ووليدي الأدبي الأول قريبا بإذن الله)

أقـدار قـلب

قد يتألم القلب وتدمع العين لكن يوما ما لابد أن يأتي تجف الدموع ويهنأ القلب وإن بقيت الذكرى.. انتهت تلك الإجازة اللعينة وعادت مع أهلها للغربة مرة أخرى تحاول أن تنفض عن قلبها غبار الألم لتعود هي كما عهدت نفسها قبل أن يدق طارق الحب حياتها ولكن هيهات كيف نعيد القلب لسكون الطفولة؟ وبدأت الدراسة مرة أخرى.. لم تجد صديقتها تلك..لم تأتي منذ بداية الدراسة ..مر اسبوعان والثالث وهي تتألم وجعا بعدا عن صديقتها الوحيدة ونصفها الثاني.. حاولت أن تعرف عنها شيء لكن..لا شيء.. مرت فترة عرفت أنها سافرت مع بداية الصيف ومازالوا ينتظروا عند المعبر..غير مأذون لهم بدول أرضهم ..كلمتها أخيرا.. أخبرتها أنها لن تعود وستواصل دراستها في بلدها .. اشتد ألمها وزاد وجعها وأصبح سيف الذكرى سيفان .. لم تطق تحمل هذه الآلام كلها.. كلما كلمت ابنة عمها تخبرها بحال أحمد المؤلمة..يبدو أنه أحبها حقا وبكل مشاعره..يبكي دائما وحده.. كلما ذكروها أمامه يكاد يختنق من كتمان بكاءه عنهم لكن دموعه تفضحه.. كيف لقلب عاشق غض أن يتحمل صدمة كهذه.. بقيت في وحل الآلام هذا فترة ليست قصيرة..تتناوب عليها هواجس الألم مابين ظلمها لابن عمها وحبه لها..وصديقتها تلك التي لا تعلم ما سيلم بها وهي في أرض محتلة عليها نيران العدو ليل نهار.. لم تجد سوى سبيل واحد يخرجها من ألمها هذا ..الدعاء وفقط الدعاء فما بيدها حيلة إلاه ..إن حكت لوالدتها لن تقبل ما كان ووالدها من أصحاب اللحى والثوب القصير لن يسمع لها حتما..كانت تدعو دعوة واحدة..اللهم يامن كتبت على قلبي جرحه وألمه داوه وأعدلي من فقدت.. تصلي وتبكي.. حتى وإن لم تغمض عيناها طيلة الليل من شدة ألمها فهي تثق بربها ثقة تجعلها تتأمل أن يكون غدا يوم آخر.. وفي يوم عادت فيه من مدرستها بحالتها تلك.. طرق الباب..بثقل شديد قامت تفتحه..من ..لا أحد يرد.. وضعت عينها لترى من؟ ظلام دامس..فتحت دون تفكير..لتجدها..نعم هي صديقتها ..لم تصدق ما ترى.. أهو أنتِ.. تقفين أمامي أليس كذلك..ارتمتا بين أحضان بعضهما تبكي هيا من شدة فرحها..لا تصدق أنها عند الله غالية ليجيب دعائها..كان هذا بالذات شيئا اشبه بالحم أن تعود صديقتها..فكيف تخرج من أرضها والإحتلال يمنع أي شيء.. أيقنت حينها أن ألمها المتبقي إلى زوال.. لكنها نسيت أنه ليس حقا لها أن تنسى إنما حق غيرها.. ذاك الذي تركت قلبه يتقد نارا دون أي ذنب منه.. وتمر الأيام بحلوها ومرها وهي مع صديقتها كل يوم نصفها الثاني..

ويهل رمضان ببركته.. وتمضي أيامه الاولى وهي تتقلب في فرحة غمرتها بها فضائل الشهر الكريم..وفي العشر الاخيرة.. سافروا إلى مكة المكرمة لقضاء عمرة رمضان.. أخذوا الطريق بالسيارة فليست المسافة بعيدة تلك البعد.. اتفق والدها مع صديق له في مدينة أخرى ان يتقابلا هناك.. وفعلا.. أخذا سكنا من طابقين قريب من الحرم..هم في الطابق الأول وصديق والدها بعائلته في الطابق الثاني.. كانت تجلس مع بناته فهن صديقاتها ..من كثرة ما تحكيه إحداهن عنها أمام أخيها - والدتها تفكر فيها من الأساس له -..كبر الأمر في رأسه وعزم أن يراها حتما وراح يفكر في طريقة.. وفي ليلة بعد عودتهم من صلاة القيام وقت السحر..تصنع أنه لا يعرف أنها مع أختيه في غرفتهما..وبدون طرق للباب فتحه ودخل..كانت جالسة على السير المواجه للباب..رآها ولم يتراجع ظل واقفا كأن على رأسه الطير وكأن أحدا سكب عليه ماءا باردا فتجمد واقفا.. بسرعة غطت نفسها بلحاف كان على السرير وبلاشعور راحت تسبه أمام أختيه هن يضحكن وهو على حاله وهي تسبه.. ومر ذلك الموقف ولم تعد بقيت تلك الايام تصعد إليهم إذا رغبتا في الجلوس معها تنزلا إليها.. أحرقه الأمر كثيرا.. تعلق بها من تلك النظرات الخاطفة التي يراها فيها وقت خروجهم سوية..لم تكن له يد إليها.. قرر ان يخبر أخته بالأمر.. وفعلا كان وأخبرتها هي أن أخيها يحبها .. في بدء الأمر كان ثقيلا على قلبها من ذاك الموقف..ومع كثرة رسائله الشفهية مع أخته لها وكلماته التي عادت تشنف اسماعها ثانية تعلقت به.. العجيب في الأمر أنه كذلك أحمد..ربما يكون هذا سرا في قبولها لحبه.. انقضت العمرة..بعدما جلسا سويا في حضرة اخته ليلة العيد كلمها وكلمته باح لها بنفسه عن مكنون قلبه.. وهي تسمع ولا تنطق أبدا.. وعاد كل حيث كان قبل العمرة واستقر الامر على اتفاق بالعين بينهما.. تعلقت به كثيرا وبشدة..تعجبت من نفسها لم كل هذا ولم يمضي على ابن عمها سوى أشهر..ربما يكون قلبها قد وجد علاج جراحه فيه.. تظل على اتصال معه عن طريق أخته فهي كانت تتحرج الحديث معه فسهام الكلمات تأبى إلا وأن تجعلها تنطق بشيء وهي لا تريد أن تتكلم فما كان علمها درسا .. لكن أخته كانت تخبره بتعلقها به.. وتمضي الأيام وقلبها يزداد تعلقا به يوما بعد يوم حتى نضج قلبها على نار حبه تماما.. مرة سألت أخته عنه.. لا أعرف ما أقول لكِ لكنه منذ أسبوع لم يسألني عنكِ كلما كلمته عنكِ أجل الحديث وتهرب منه.. لا أعرف لماذا ولكن.. ما الأمر أخبريني.. لا أعرف أخشى أن يكون ظني خطأ ..سأخبره بسؤالك عنه..وأغلقت الخط قبل أن تنطق بشيء يذبح قلبها المتيم.. أخبرت أخيها بالأمر.. فتفوه بكلمة فتحت عليه نار لسان أخته..قال لها.."بلاش تفاهه بأه وخليها تشوفلها غيري.." فراحت تصرخ فيه أليست هذه من قلت عنها وقلت وصنعت المستحيل كي تراها..و..و.. لكن بدون جدوى..

كانت هي في حيرة تتقلب على جمر لا تفهم ما قالته أخته..ما الامر كيف يكون هذا.. ما به لم لا يسأل عني.. ظل فكرها يشرد في سماء الأوهام والخيالات وقلبها يتقلب على جمر كلما سألت أخته تهربت بلا أعرف لكنه اليوم سألني عنكي..نعم سألني..تشعر من كلامها بشيء تخفيه عنها.. حتى تأكدت أخته من سبب ذلك..فقد عرف هو فتاة غيرها عبر الإنترنت فتاة من رائدات الفسق .. أعجبه حديثها..بعثت إليه صورا لها..تكلمه صوتا وصورة ..مقابل ماذا ممن أحبته حقا..هو يرى أنها لا تفعل من أجله شيء كيف تزعم أنها تحبه.. هي تلك الكلمات التي أخبرتها اخته بها على لسانه بعدما قالت لها الكلمة التي قصمت ظهر البعير.."بلاش تفهه خليها تشوفلها غيري.."

لم تطق الأمر ..شعرت بنار تحرق أخضرها ويابسها ..ألم يجتاح جوانب روحها.. تذكرت ابن عمها وما فعلته به.. يبدو أن القدر أبى أن يرح قلبها قبل أن يأخذ لذاك المسكين بثأره ويقتص له من قلبها .. سجنها الألم والحزن خلف قضبانه زمنا طويلا.. لم يهدأ قلبها لسنوات وليس لأشهر ..ظلت تتذكر كلتا الحكايتين وتبكي ليلها ونهارها.. لابد وأن يلبسها الشقاء ثوبه كل عيد لم تجد للراحة لونا أبدا..

وتمر سنتين على هذه الحكاية.. ويشاء القدر الإلهي الرحيم أن تعرف ثالثا بعدما تركت الذكرى آلامها داخل هذا القلب الأنثوي المحطم.. عرفته لكنه لم يكن هذه المرة أحمد أبدا..كان مختلفا تماما.. لم بعرف هو ما الذي جذبه لها..لا يعرف شيئا عنها ابدا..لا يعرف إلا أن عينه عشقت رؤيتها وأذنه ازدادت شوقا لصوتها..روحه يغمرها إحساس غريب ..أحبها حقا.. أخبرها ظنا منه أن تلك الكلمات تسمعها هي لأول مرة.. رفضت تماما ولم تسمح له بالحديث في هذا الامر وإلا تركته..تركها على راحتها لكنه بين الحين والآخر يسمعها شيئا مما بداخله لها.. استخارت ربها وقبلت به على شرط.. أن يتقدم لها ..يعرف أهلها ويخطبها الىن ووقتما شاءت الأقدار وتحسنت ظروفه يعقد عليها..كانت تريد من وراء هذا الشرط أن تتأكد من صدقه في كلامه وهذا ما كان تقدم إلى أهلها يخطبها ومع تخطٍِِ لعقبات بسيطة وضعها أهلها أمامه أصبحت له .. عوضها القدر عن آلام كتبها عليها قبل ذلك.. لكنه علمها أن العين بالعين والقصاص واجب حتى في المشاعر والحب..

( هذا الجزء بقية لحكاية "عاصفة في قلب فتاه" جزء قليل من هذه الحكاية حقيقة واقعية..أما نسجها وحواراتها وكل ما فيها من عناصر من حبكتي وأسلوبي أنا)

عاصفة في قلب فتاة

الشقاء لا يعرف القلوب المحطمة والألم لا يترك بابا إلا ولج فيه.. هي ترى صديقتها الوحيدة تتقلب على جمرات الألم لا تجد وطنا آمنا ترتمي بين أحضانه كلما سمحت الفرصة..تعلم تماما أنها يوما ما ستتعرض لمأساة مثل صديقتها هذه..يبدو أن هذه هي سنة الحياة.. مرت الأيام وانتهى ذاك العام الثقيل.. عادت أخيرا لأرض وطنها.. تحتضن كل قطعة فيه فقد آلمها بعدها عنه طيلة هذا العام..تذكرت صديقتها المغربة عن وطنها بسبب تلك الحرب لم تملك لها سوى دمعات حارة ودعوة صادقة.. بدأت تؤقلم نفسها كي تكون إجازة سعيدة وسط أهلها وأقاربها..

اعتادت في هذه الإجازات القصيرة دائما ما تطيل المكوث مع بنات أعمامها وأخوالها هن من يفهمنها يخرجن سويا ويسهرن سويا كل ليلة في بيت من بيوتهن.. كانت ليلة صافية من ليالي الصيف.. الجو محتمل .. خرجن يشاهدن النيل الذي يطل عليه هذا البيت من (البلكونة) ..بقين واقفات يضحكن ويمزحن سويا يداعب الهواء اللطيف خدودهن الحسناوات..هي تمعن النظر فهذا المنظر لا تراه كثيرا قلبها يشتاقه كثيرا.. فجأة نطقت إحداهن ..(ارجعوا ورا يا بنات..ارجعوا) ماذا حدث..؟ حضر أحد أبناء عمهم لا ينبغي أن يراهن .. لم تنتبه هي إلا مؤخرا..بعدما كانت عينه لمحتها..لكنها لم تنتبه .. دخلن الغرفة وبقين يضحكن إحداهن تقول (اتفزعت) والأخرى(وفيها ايه ده ابن عمك يابت انتي وهيا..وثالثة ترد..(طبعا مهو عشان أخوكي)..تمت الليلة وانتهت السهرة..خرجن بعد الفجر لتعود كل منهن لبيتها في نفس البناية..هي صعدت إلى آخر طابق فهناك بيتهم.. جاءت لتضع يدها على زو النور تفتحه لترى أمامها فحدث أن اضاء وحده..ارتعدت فقد وجدته يقف أمام باب منزلهم.. أحمد..ابن عمها..ما تفعل هنا.. بهدوء كي لا يشعر أحد..جئت أسلم فقط..ألستي ابنتة عمي ولم أرك منذ زمن.. كانت ترتعد في داخلها من تلك الهزة التي انتابتها عندما أضاء النور فجأة..إن لم تنزل الآن قسما بربي أخبر أبي بتلك الحركة الصبيانية.. فر وكأنه يهرب من ضرب رقبته.. ابتسمت من طريقته في النزول ودخلت البيت..

نامت عينها في هدوء بعد تلك السهرة الممتعة .. هو الذي بقيت أرقة حتى حان ميعاد صلاة الجمعة..انتبه على صوت أبيه يناديه كي يتأهب للصلاة..قام مسرعا..سألحق بك أبي إلي المسجد..تأهب سريعا.. وبقي حتى سمع صوت قدم على الدرج..فتح الباب فورا.. وجدهن ثلاثة..ينزلن وهي ليست معهن..فتصنع غض بصره..أغلق الباب وخرج من البناية فورا فهم في الطابق الأرضي.. لم يفلح فيما نواه الآن..

بقي و الخطيب على المنب يفكر فيها ساهيا عن جمعته تماما.. حتى وجد الحل الأمثل.. بعدما انتهت الصلاة عاد إلى بيتهم مسرعا..لا ينتبه لمن يسير إلى جواره...دخل حجرته وفورا أخرج ورقة وقلما.. وكتب رسالة غرامية صبيانيه فهو لا يعرف كيف يعبر عما بداخله.. لكنه الفرصة التي لا بد وأن يتمسك بها.. كتب كلمات قليلة..منها..( كنت قبل عام عندما كنتم هنا أنوي ان أتحد إليكي لكن الفرصة لم تسمح لي بذلك..اشتقت كثيرا إليك بصورة لا أستطيع وصفها..لست ابنة عمي فقط بل وحبيبتي.. أرجو أن تتفهمي ما أقصده وتعذريني على موقفي وقت الشروق فما كنت لأفعل ذلك إلا لأني أردت إخبارك..) ..لف الورقة وخرج صاعدا لبيتهم..يعلم أنها تجلس وقت الظهيرة على سطح البناية..صعدت وبدون أن يطرق الباب فهي تغلقه عليها..فتحه ودخل..لم يتكلم رأته فنطقت سريعا..(تاني يا أحمد والله..) قاطعها ..(لا أحسني الظن..هذه لك..وترك رسالته أرضا وانصرف بهدوء دون أن يشعر به أحد) .. فتحت الورقة..قرأت ما بها.. لأول مرة تقرأ هذه الكلمات ولمن لها هي.. لفت الورقة ثانية..نزلت وأغلقت باب حجرتها عليها.. لم يؤثر فيها هو أكثر ما أثرت كلماته فيها..كلمات حب ولي أنا..جعلت تبتسم وهي تحتضن الورقة بقوة.. سرح خيالها معه الآن..عرفت الآن لم كان ينتظرها أمام الباب .. أول شعرو وجدته يطرق قلبها هو الألم من أجله كيف صدته بهذه القوة الآن وقبيل الشروق ..تبسمت لإصراره مع علمه بأنها من الممكن الا تتقبل الأمر وتخبر أبيها .. تمنت أن يكون حقيقة هذا الكلام.. وتمنت أكثر أن يكون كما قال ينتظر وصولهم طيلة هذه المدة الطويلة.. خلعت غطاء رأسها ووقفت أمام المرآة أمسكت قنينة العطر وجعلت تتعطر وهي تهمس بكلمات أغنية تحبها كثيرا..ثم حدثتها روحها هذه علامات قبولك لكلامه.. ولم لا..هو ابن عمي لن يكون كمن أسمع عنهم من صديقاتي يكذب أو ويلعب..أقنعتها نفسها تماما بهذه الكلمات..لم ترخرج لتجهز سفرة الغداء كما تعودت كل يوم..بقيت تعزف ألحان الحب الأولى في أحضان ذاك الدب على سريرها.. يبدو أنك أيها القلب كنت في انتظار هذه الكلمات أيها الشقي.. شعرت أن روحها رنتقلت لمكان آخر..

راحت تفكر في طريقة تراه فيها على سبيل الصدفة لا الترتيب معه..لا تريده أن يعرف قبولها هذا مباشرة .. لم تجد سوى أن تصعد ظهر الغد كالعادة إلى سطح البناية تنتظره حتما سيأتي فهو يعلم أني أكون هناك لابد أن يأتي ليسمع ردي.. انتظرت انتهاء اليوم بصبر كاد ينفد فهي دقات الحب الأولى التي تكون أكثر لهيبا وشوقا وحنينا.. وحل الموعد المنتظر.. ثعدت وبقيت تنتظره..حدث نفسه هو بالصعود وكلما هم عاد وتراجع يخشى أن يكون كلامه لاقى رفضا منها فتخبر أحدا بالأمر إن صعد هذه المرة بقي مع أن قلبه يشتعل نارا .. وبقيت هي في انتظاره حتى نادتها والدتها لتجهز السفرة( تعالي يا بت متهربيش زي امبارح ايه مالك مطولة فوق كده) نزلت مسرعة وقد خيب الإنتظار الطويل أملها في أن يأتي.. وغابت تلك الليلة عن سهرة بنات عمها لأن نفسها مشتغلة بشيء واحد هو أحمد وفقط .. جعلت تختلق له الأعذار ثم هو لم يقل أنه سيأتي اليوم.. بقيت على حالتها هذه يومين كاملين.. وفي عصر اليوم التالي كانت نازلة من سطح البناية فوجدته على الدرج.. تصنعت أنها اخترعت منه.. وقبل أن تفتح فمها بكلمة..هذه المرة سأتكلم أنا.. إن قبلتي خيرا..ولو كنتي... سأتنحى تماما عنك..سكتت مليا..شعر أنها لم تقبل ..فأدار وجهه وراح نازلا..نادته بهمس مختنق..(أحمد استنى انا مقلتش كده..ده أنا استنيتك امبارح هنا...) تبسم ابتسامة عريضة..شعرت بالخجل الشديد..نزلت مسرعة إلى بيتها وقد لونت الحمرة وجهها.. (ماهذا..قلتلك متفضليش لحد ماوشك يتحرق كده..انتي حرة بأه..) لم يعلم والدها أن سبب هذه الحمرة شيء آخر..

انتهت الخطوة الأولى..علم كلاهما بحب الآخر له ..وبدأت الخطوات الأخرى..كل يتصنع المصادفة من أجل أن يلتقي بالآخر.. يوم على سطح البناية ومرة أخرى في جراج السيارات وآخرى وأخرى.. تبادلا أرقام المحمول وكانت تلك هي الطريقة الرئيسة.. تحدثا بكثرة.. أحبها وأحبته لدرجة لم يستطع أحدهما أن يصفها للآخر..خاصة وأن كلاهما يرى الآخر كل يوم..

فكر مع نفسه..خاف أن يكون فعله هذا حرام كما حدثته نفسه..ارتاب كثيرا من هذه الفكرة التي جعلت تراوده ..قرر أن يسأل أحدا فيها.. لم يجد سوى أصغر أعمامه ليسأله..مقرب إليه كثيرا.. انتبه عمه إلى سؤاله.. هو يلاحظ عليه علامات غريبة في هذه الفترة لكنه لم يستطع تحليلها إلى بعدما سمع منه سؤاله هذا..وبكل صرامة قال له نعم.. وظل عمه هذا ينبش وراءه ويراقب تحركاته..حتى عرف أنها هي التي تملأ قلبه.. رآه مرة وهو يصعد سطح البناية ..صعد وراءه ومن خلف الباب دون أن يشعرا به..أنتبه لهما..تركهما هذه المرة كي لا يسمعه أحد ويعرف الجميع أمرهما..

في مساء تلك الليلة راح إليها في غرفتها.. وحدثها هي بكل صرامة وشده ( قسما بالله لو شفت معاه تاني لآجي واضربك لحد لما تموتي..ومحدش هيحوشني عنك..) أمسكها من شعرها..وتابع( الي بتعملوه ده لعب عيال وقلة أدب..إذا مكنش أبوكي رباكي أربيكي أنا..) ثم تركها وهي في قمة انهيارها ..احترق قلبها كثيرا لما فعله عمها.. فكرت ما العمل.. لم تجد من تستشيره في امرها سوى خالتها..لكن للأسف كان رأيها من رأي عمها ولكن بهدوء..لا بد أن تنتهي هذه الحكاية..قتلها الألم وانتزع قلبها..لكنها لا بد أن تنصاع لأمر عمها وتفعل كاما أشارت عليها خالتها.. كتبت له رسالة..(أحمد احنا لازم نبطل الي بنعمله..خلاص أنا مش عاوزاك الكل كده هيعرف وتبقى حكاية..كانت أيام حلوة بس لحد كده وكفاية..سيبني أرجوك وخلينا أخوات..) أرسلت الورقة مع أختها الصغيرة له.. كان واقفا أمام البناية..قرأها..وأعادها معها إليها.. بكت بكل حرقة وحسرة وألم.. خرجت إلى (البلكونة) وجدته واقفا تنهمر دموعه بغزارة ..رآها فالتفت لكي لا تراه يبكي.. تعذبت كثيرا من أجله لكنها لم تجد سوى هذا حلا ..

تجاهلها تماما بقية تلك الإجازة اللعينة كما تسميها هي.. وسافروا مرة ثانية..

هي لم تخنه أو تتركه كرها فيه أو شيء من هذا القبيل.. تركته لأن ظروفهما لن تسمح لهما سوى بالإساءة من الجميع خاصة والدها ووالده.. تركته وبقيا في نار حبهما فترة ليست قصيرة أبدا..

نصف أنثى ونصف رجل

سكبت أجفانها دمعات ساخنة على خديها الدافئين بعد أن أتمت كتابة حكايتها المؤلمة على أحد المنتديات الإلكترونية تبث أحزانها وآلامها بين هذا الكم الهائل من الحكايا والكلمات.. تعرف في قرارة نفسها أن كل ما يمكن أن يكتب هو كلمات نصح وتوجيه من أناس لم يصبهم ما أصابها..لكن ومع هذا شعرت بشيء قليل من الراحة وتلك الدمعات تسيل على خدها فقد بثت هما تكاد تختنق به..

هي فتاة توفيت عنها والدتها وغاب والدها فقد أسرته حياة الخارج وبهرته المادة فترك فتاة في عمر الزهور وحيدة تدبر شأن حياتها بتلك المبالغ التي يرسلها لها بكل سخاء وكأنه يعوضها عن حنانه بقروش لا تغني قلبها عن دفء أحضانه .. تعيش وحدها دون أنيس أو حتى رقيب..

وقعت عينه على هذا العنوان البائس الذي كتبته هي لحكايتها ..قرأ تلك الكلمات..جعل يمعن في حروفها حرفا حرفا.. شعر بأنين يجتاح قلبه ونهم غريب ليتم القراءة.. أكملها حتى النهاية..فتح صندوق التعليقات ..لم يجد سوى مواساة ممن كلف نفسه وقرأ.. أغمض عيناه اللتان تدمعان بجود لحال هذه الفتاة.. فكر قليلا.. كتب لها.. "أختي ..أنا على تمام الإستعداد لمساعدتك " ترك لها وسيلة توصلها إليه.. وتمنى أن تسمح له الظروف بذلك..

قرأت كلماته..لا تعرف أصادق هو في كلامه..وإن كان فمن هو ؟ كيف تسلم ببساطة لمن لا تعرف وقد رأت وعاشت بسبب هذا مأساة حياتها .. تركت له ردا قصيرا.." معذرة أخي .." رآى هذا الرد.. شعر أنه لابد أن ينتشهلها من ذاك الهم الذي تعيشه..أحس تجاهها بواجب يحتمه عليه الضمير الإنساني.. لم ييأس .."أختي خذي فرصتك واستخيري ربك في الأمر وستجديني إن شاء الله من الصادقين" لم تترك له ردا..ظل يتردد بين الحين والآخر على تلك الصفحة عله أن يكون قد جد جديد في الأمر.. وأخيرا.. و في غير حسبانه فتح بريده الإلكتروني.. وجد إضافة جديدة.. يا إلهي هي تلك الفتاة.. قرأ ما تركته له .. حدد لها ميعادا يتحدث إليها فيه.. وكان هذا فعلا.. تحدثا سويا..بثته همها.. حاول طمأنتها ووعدها بكل خير.. لم تدرك ما يمكن أن يفعله شاب من أجل فتاة ..لكنها ارتاحت قليلا لكلامه..ثم كما حدثتها نفسها..مم الخوف إن كان خيرا فهذا ما تتمنين وإلا فلم يعد هناك شيء تخشيه.. تواعدا على اللقاء ..هي تسكن في المقطم وهو في مدينة السادس من أكتوبر.. وجمعهما اللقاء القدري.. رآها وعرفها.. خرجت من جلستها الأولى معه براحة نفسية كبيرة.. اتفقا على التحدي والمواجهة لكل مشاكلها.. ابتداء من هذه اللحظة..

بداية سنغير خط الهاتف.. الحبة الأولى في عقد المشاكل إذا انحلت سينفرط العقد.. أعدك بذلك.. أخذ منها خط الهاتف يحتفظ به معه إلى أن يحين وقته..حتى يأخذ لها ثأرها من ذاك الوضيع الذي اخترق جدار شرفها بكلماته الحقيرة..حينما قصت له ما كان حمد الله في نفسه أن الله بث في قلبها الرغبة في التوبة والعودة عما هي فيه قبل أن يذهب كل شيء بوسوة شيطان خبيث كذاك الحقير.. اشترى لها خطا جديدا.. كانت ليلة مختلفة تماما عن تلك الأيام السالفة التي عانت فبها من الضنك والضيق والعذاب..

أعادها إلى منزلها .. حاولت معه كي تضيفه شيئا..لكنه رفض قائلا.. ليس هذا ما أبتغيه..تصبحين على خير.. ثم عاد فناداها..من الغد سأحضر لك ونيسا يشاركك وحدتك.. تعجبت..من يكون هذا؟ قولي من تكون ؟ هي امرأة تخدمك وتساعدك في شؤون المنزل وتجعل لهذا السكوت حسا يؤنس وحدتك.. كما ترى أنت افعل.. قد تركت لك حرية التصرف والله يتوالاني.. ابتسم ابتسامة مسمومة..ثم انصرف..

مازال في نفسها شيئا من الخوف.. كلماتها تقول هذا..يتولانا الله جميعا لست أنتِ وحدك.. من حقها وغدا يثبت لها خلاف ذلك..

تمر الأيام وهو ما يزال على صلته بها..تشكو له هما وبعون الله يخرج لها حلا.. محى أكثر آلامها.. بدد ظلام لياليها.. سجل لها في الجامعة بعد أن كانت ترفض تماما.. محى تلك الأفكار السوداء التي ملأت ذهنها أيام وحدتها حين كانت تتحدث إلى فلان وعلان ممن لا يراعون الله في الفتيات.. أصبحت ترى الحياة بشكل مختلف تماما..ساعدها حتى اجتازت سنتها الاولى في الجامعة مع أنها كانت متأخرة كثيرا ..

في يوم النتيجة سمعت جرس الباب يدق.. "افتحي يا أم سعيد" من؟ هو وعلى وجهه ابتسامة عريضة..لم تصدق حين رأته واقفا أمام بابها..لم يفعلها أبدا من قبل.. لم ترتب منه بل دعته للدخول.. دخل وأغلقت أم سعيد الباب.. همس في أذن أم سعيد أن تبقى معهما ولا تتركهما وحدهما.. فظلت تروح وتجيء بين الحين والآخر.. جلسا وتحدث إليها.. لدي لكِ خبرين يختلفان تماما عن بعضهما.. قل ما وراءك .. الأول ..أن نتيجتك معي.. انتبهت إليه بشدة..أخبرني ماذا فيها.. سكت مليا..وبابتسامته أخبرها بنجاحها..نجاح عادي لكنه معجزة بالنسبة لتلك الأحوال التي كانت تعيشها.. فرحت بشدة وجعلت تنسب الفضل إليه.. لكنه ذكرها أنها هي من كانت تريد الخروج من حالتها تلك فالفضل أولا لله ثم لها ثم لدوره معها..

حسنا والخبر الثاني.. الآن يجب أن أرحل..فعلت ما يجب أن أفعل معكي..أنت فتاة ولم يعد لي مكان هنا.. إن احتجتي لشيء تعرفين كيف تجديني..صرخت في وجهه..ماذا تقول.. بكل هذه البساطة..علقتني بك وتتركني وحيدة الآن..كلكم هكذا..ذئاب مفترسة.. سمع منها كلاما عجيبا..تبكي وتصرخ فيه.. سكت حتى هدأت وجلست في أحد الأركان تهتز وتنتفض.. طلب من أم سعيد عصيرا باردا..

هدأها..تحدث إليه بكل هدوء..الوضع الآن لا يسمح لي بالبقاء..هل تحتاجين إلي في شيء أخبريني.. فبدأت تتحدث إليه.. تعرف لم سلمت لك واطمأننت معك..لأني لمحت في عينيك براءة وطهرا وصدقا..لم أجد من يمسك بيدي ويحملني يعبر بي طريق الشوك فيصاب كثيرا ولا أصاب أنا..لكنك فعلت هذا.. وقيتني سوء نفسي.. غيرت عالمي وحياتي.. حتى أصبحت كل حياتي ..نعم أعترف بهذا..وتريد أن ترحل الآن.. ثم بكت بحرقة.. سمع كلماتها حتى انتهت وهو ساكت يتألم بداخله ولا ينطق..جاءت أم سعيد بكأس العصير..مد يده بكل حذر وبطريقة ما ساعدها في ارتشاف العصير.. اشربي ..لن أترككِ..أعدك..حتى آخر رشفة..تشعر مع كل رشفة بسم يسري في دمها من تلك الكلمات التي قال..

لأول مرة يمسك يدها.. أجلسها على الكرسي وجثى هو على ركبتيه أمامها.. تعلمين أنتِ أنك من غير أيامي وبعث فيها البهجة..أن لا أريد أن أتركك وحدك أبدا..لكن الأقدار تحتم هذا..ليس بيننا ما يجعلنا نكمل مشوارنا سويا.. ظروف حياتك لا تسمح لي بهذا..أخشى عليكِ من نفسي إن بقيت معك وأخشى إن رحلت عنك .. ولكن ما العمل وهذه هي الظروف وضعتنا بين فكيها.. وأنا لست ملاكا حتى..

قاطعته..بل هناك حل واضح أمام عينك ..ألا تراه..ألا تفهم ماهو.. بل أفهم تماما ولكن كيف..وليك هو والدك وليس هنا..ولن يسمع منا إن حدثناه في الأمر,, لا سيسمع مني ..أعدك بذلك..أعطني كلمة واحدة..كلمة وعد وشرف و سأتكفل أنا بأبي.. ولكن..دون لكن أرجوك.. أعدك..ولكن بالطريقة التي يجب أن تكون.. نعم بالطريقة التي تريد أنت وكما قلت.. اترك لي يوما واحدا وأرد لك جوابا..

قد ملأ حبها قلبه ولكنه يخشى تطور الوضع إلى ما أنقذها منه بيده..تركها ورحل..وبعد يوم اتصلت به وطلبت مقابلته فذهب.. أعطته ورقة..فتحها..هذا توكيل رسمي من السفارة المصرية بفرنسا..توكيل شرعي من أبي.. لخالي..يعيش في الإسكندرية..تحدث أبي معه..وينتظرنا ليتم هو الوكالة عن أبي في عقدنا .. هل تقبل.. ؟ لم يصدق ما يسمع وكأنه في حلم ..ضحك وأمسك بيدها..نعم أقبل وهل يرفض هذا عاقل.. تكلمت وهي تتكئ برأيها على كتفه..الآن علمت سر تلك الراحة يوم أن كتبت هذه الحكاية في صفحة المنتدى.. سبحان الله قدر الله وحكمته.. استخرته يومها..وفي كل خطوة كنت تخبرني بها كنت أستخيره وأرتاح أكثر.. قد أصبحت أنا وأنت نصفين في جسد واحد ..نصف أنثى ونصف رجل.. عاهدها وعاهدته.. ليعيشان سويا قلب رجل تسكنه أنثى.. نعيم الحب معه فهو من يستحق أن يكون حبيبا لها..

(هذه الحكاية نهاية نسجتها بخيالي ورسمتها في أحلامي لمأساة حقيقية تعيشها فتاة..كتبت حكايتها قبل ذلك تجدونها هنا بعنوان " شرف على حافة الهاوية" )

عـصفـورة أميـر

أدرك جيدا أن قلبها لن يكون يوما له ..لن يحمل بين جوانحه مشاعر عشق له أبدا.. لكنه سقى قلبه رشفات من جمالها.. لمسات من يدها.. ونظرات من عينها..لمح وراء جفونها خيالا ىخر لا تنطبق ملامحه عليه أبدا.. لم تكن أمامه تلك الفرصة ليتكلم إليها ويبثها مشاعره.. هي لا تسمح لنفسها إلا قليلا ونادرا أن تتحدث إلى شاب وفي أحلك الظروف.. لم بخاطبه لسانها سوى مرتين فقط ..

لم يأبه بما شعر به من جفاء قلبها نحوه.. حاول بتلميحات وحركات أن يلفت إنتباهها , وهي قمة اللامبالاة.. ذاق في حبها العذاب والسهر.. يضع رأسه على وسادته.. لا يغمض له جفن..تتصارع الأفكار في رأسه..والمشاعر في قلبه لكي تقلق منامه وتؤرق عينه..

اتبع طريقة الهدنة مع قلبه..يريحه بتلك النظرات التي تمتلأ ألما وتشوقا إليها.. يوميا يأخذ الطريق خلفها سيرا .. لا يشعر بتعب أو ملل.. سألته أكثر من مرة عن الشيء الذي يلقاه من سيره خلفها كل هذه المسافة وهي تعلم تماما بهذا..لكنها لا تكلف نفسها حتى إخباره برفضها له..

مرة كان يسير خلفها وكأنما يحرسها حتى تصل بيتها.. غيرت اتجاه سيرها..تسير وسط مجموعة من زميلاتها..تعجب لم غيرت وجهتها .. سار خلفها..جعلت تروح وتجيئ.. تفهم هي أنه خلفها..تريد أن تسيمه ذلا.. مرة تجري وأخرى تبطئ وفجأة تعود فتجري.. حكى لي ذاك اليوم.. قال لي ..كدت أصارحها يومها..قد كان يوما لعبنا فيها سوية..أحرق قلبي بتلك الكلمات..هي لا تنظر إليه ولا تأبه به..كانت فقط تريده أن يشعر بالملل ويتركها وشأنها.. ويستحيل أن يفعل هو هذا.. يحبها ومن الحب ما أفقد المرأ عقله..

بعثت ورائي يوما لترسل معي رسالة إليه..تعرف أني صديقه المقرب.. قالت لي بالحرف ( قول لصاحبك ... بتشكرك قوي ع الحراسة الخصوصي وخلاص هيا مش عاوزة ..مش قابلاك يعني..) لم أتكلم معها في شيء..تركتها وذهبت إليه أخبره بما قالت.. نزل الكلام عليه كأنه سياط من نار.. ثم تحول إلي يصرخ فيّ ..ومن سمح لك بالحديث معها.. كدت أموت ضحكا من تناقض المواقف..رددت له جوابا..هي من دعتني لأرسل لك هذه الرسالة لا من أجل أن تحب فيّ.. تركته يومها ورحلت عنه وهو في حالة يرثى لها..

هي فتاة تمتلك جمالا بارعا صوره الإله على خلقتها..لا أعرف ما الذي جذبه بهذه القوة لها والمعروف عنها بين زملايلاتها( الضابط القمر).. لكن عيني يوما ما لم ترح إليها ولم أفكر قبل أن أعرف حبه لها حتى في أن اقول عليها كلمة (جميلة) فقلبي ينشغل بغيرها وعيناي تملأهما ملاك..أراها أجمل منها كثيرا..لم أكن حينها أحب من هي في قلبي الآن أو حتى غيرها.. لكني لم أجذب لها ولا أحد من زملائنا لأنها لا تنتبه لأحد..

كلمني يوما في منتصف الليل..( إبراهيم..سأتحدث إليها غدا..) كنت في شيء أشبه بالغيبوبة فسألته ببله تام..(من هي..؟) رد (أسمــاء طبعا هو في غيرها..) حاولت منعه لأني أعرف ردها وأعرف ما ستقوله له ..لكنه كان قد قرر وبقي عليه التنفيذ.. فعلمت ان الكلام الآن ليس له داع.. لنرى ما سيحدث وهو في ذهني معلوم مسبقا.. كنت مرة قد فكرت في إحداهن .. قبل أن أعرف الحب كما هو في قلبي اليوم.. وكلمتها فعلا ..لكنها ردتي بطريقة كسرت قلبي.. لا ألما من حبها فما كنت يومها أدرك ما الحب حقا.. إنما حسرة وندما أن فكرت فيها يوما.. ورأيته في اليوم التالي.. وقد عزم ووضع الخطة ورتب كلامه وبقي على التطبيق خطوة.. هي أن تخرج كما تعودت وتسير إلى أن تكون هي وزميلاتها على البحر( النيل ).. طلب مني أن أراقبه من بعيد ومهما كان فليس لي دخل بما سيكون.. وراح هو في طريقه إليها..

كانت معها زميلتين.. سار حتى اقترب منهم.. إذا سمحتن.. التفتن جميعا..( معلش عاوز أسماء في كلمة) نظرن إليها.. كادت أن تنطق بالرفض وبصوت عال.. لكنها لمحت في عينيه نظرة لم ترها من قبل.. رأت في وجهه ملامح وعلامات مختلفة تماما.. ثم عادت فتكلمت بارتباك..(عاوز مني ايه مش قلتلك ابعد عني..) حينها تركتها زميلتيها معه وسارتا بعيدا..ظلت تناديهن ولا يجبن.. وحلت الفرصة ليتكلم.. اقتربت منهما من حيث لا يراني هو أو تراني هي.. بدأ يتكلم..أسمع كلامهما أحيانا وتمر سيارة تسقط مني بعض الكلمات.. وبدأ يتكلم.. لم أتبين كلماته الأولى فقد كان حالته تبكي أحدا إذا رآه..ما جعلها تضعف وتفتح له فرصة ليتكلم.. فجأة انتبهت تماما إليهما..وجدتها تضع يدها على فمه..وجهه يبدو عليه الذهول أو الصدمة..أمسك ذاك السور الفاصل بينهم وبين مياه النيل.. رفعت يدها..اقتربت أكثر لأسمع ما ستقول.. لو رفع عينه لرآني.. (اسكت متقولش حاجة يا أمير ..أنا عارفة ده كله وحاسه بيه من زمان..انت فكرك لو عاوزة أطفشك بجد مكنتش قدرت..في ألف طريقة وطريقة..سامحني في التعب الي سببتهولك بس بجد كان نفسي في الخطوة دي من زمان..جت متأخرة اه..بس أهي جت) ربما يكون قد نسي أني أنتظره لنعود سويا نكمل سيرنا..ذهب معها..راحا يسيران سويا.. ضحكت بملئ فمي.. ورحت بعيدا عنهما..فقد عشقت العصفورة من كان يحلم بها..تعجبت كثيرا يومها..ما هكذا كان يظهر عليها يوم أرسلت معي رسالتها لها..أنتن أيتها الفتيات كما قيل ( يتمتعن وهن راغبات) .. وهذا أيضا من خبايا نفوسكن البريئة.

(معظم هذه الحكاية من خيالي..الحوارات كلها..وأسلوب السرد لي..موجز الحكاية حدث فعلا مع صديق مقرب لي هو بطل هذه القصة..أما أنا فبطل لقصة حب أخرى..أتركها في قلبي وقلب أنثاي وحدنا)

استراحة مع أنثى

ما أجمل أن ترى امرأة جميلة...تسكن داخلك وتستوطن كيانك.. حلم رائع..يبدع في تخبله كثير.. فهل يتحقق كما يتمنون؟

أن تتكئ رأسك بين أحضانها..تشعر بدفء حبها يحتضنك.. وبرقة أنوثتها تأسرك.. إحساس هو قمة الهيام.. فهل يمكن أن يكون؟

أن تحتضن بين ذارعيك وقلبك طفلا هو قطعة منها..تضمه وتشمه.. تشعرها حينها بفرحة العمر.. لا أنها أنجبت لك طفلا..إنما لأنك تحتضن جزءا منها..

براءة الأنثى ليست بكلمات وهمسات.. هي حركات وسكنات لا تعيها هي.. إذا وقفت أمامها فأنت مرآتها.. وإن غبت عنها انتظرتك لترى نفسها..

تشعر بدفء كفيها و رقة ملامحها..فتحتضن كنزا بين أضلاعك.. هي لن تنكر لك معروفا.. فأشعرها بالأمان..

بداية العشق كلمة.. و وسطه كلمة.. ولا ينتهي إلا بكلمة.. انتقاء الكلمات هو الذي يحدد عمر هذا الحب وزمانه.. لتكن كلمات صادقة لكي لا نصل إلى الكلمة الأخيرة أبدا..

ستارة المرأة خجلها..لا يمكن كشفها إلا بالإخلاص في الحب.. وراء هذه الستارة تختبؤ مشاعرها..والوصول إليها لا يحتاج مشقة..كل الأمر هو إخلاص وصدق ووفاء..

نفس الأنثى بطبعها عزيزة..إن طلبت خافت أن ترد خائبة .. وإن كان فهو جرح لا ولن يداويه الزمن..

نقطة الصدق الوحيدة التي يمكن أن تستدرج الأنثى من خلالها لتفيض بمشاعرها أن تشعر أن هذا الرجل لها هي طوعها وحدها..

أحيانا ما نشعر أنها حزينة.. كي يمكن إختراق جدار الحزن هذا لا بد وأن نعو لسلاح الكلمة وحلاوة اللسان ..

حذاري أن نترك الأنثى في حزها وحيدة.. فحتما سينتهي بها الحال إلى الإكتئاب والشعور الكاذب بالكره للدنيا ومن فيها..علاج ذلك أصعب منه ذاته.. هذه بعض من أسرار الأنثى وعالمها..مما عرفته أنـا..

(.. هذه استراحة قصيرة .. لست بعيدا عن أجواء غزة وأحوال أهلها أعانهم الله..لكنها قطعة سكر في بحر ملح ..)

حـــــتــــى الــــرمـــــق الأخــــــيــــر

فتاة في عمر الزهور جرح الحال روحها وقطع الألم أحشائها..تناثرت على وجهها معالم البؤس والشقاء والحسرة .. رسمت الطلقات والمدافع والصواريخ صورة الموت أمام عينها فهي تنتظره في كل حين.. أبت الأقدار إلا أن يصيبها من الهم والغم الشيء الكثير.. ليست كفتيات مصر مثلا.. لا تمتلك من مقومات الحياة شيئا لتمتلك كمالياتها.. خرجت من منزلها صباح يوم غابر .. تحترق كمدا فقد خرجت مرغمة لا مختارة..بيدها أختها الصغيرة..وشيء من البسط الوضيعة .. ليس معها رداء يقيها برد الشارع ..ظنت أنها ذاهبة إلى الضياع..رأت أن أكبر ضياع لها ولأختها الصغيرة بعد استشهاد والدها وأخيها أن تنام هي وأختها على قارعة الطريق إن استطاعتا هذا أصلا.. أخذتا ركنا من الطريق لتجلسا سوية فيه..انتظار لقدر الله فلا تعرف ما تفعل لتفعل.. احتارت في أمرها ..هي تشعر بالجوع والبرد لكن هذا الشعور يقتله شعور الألم والخوف من القدر المختبئ خلف دبابة صهيوني أو في بطن مدفع أو على متن طائرة تقصف.. لا تخشى على نفسها أكثر من خشيتها على أختها الصغيرة.. جعلت تفكر وهي تعرف أن أي تفكير لبحث عن مأوى أو ملاذ لهما هو تفكير في المستحيل..غفت أختها وهي تتكئ على قدمها.. لتصحو فزعة على صوت المدافع تضرب بوحشية والعدوان الجوي يقصف بشدة ..ترفع الصغيرة رأسها من حجر أختها لتتلقف تلك الطلقة الطائشة الوحشية في صدرها الصغير..ما ذنبه وهو الذي حمل البراءة والوداعة والسلام.. لم يحمل يوما حقدا على أحد.. وتسقط ثانية في حجر أختها.. لا تنازع سكرات الموت مثلما نموت نحن..لا تتألم وروحها تفارق جسدها النحيل مع أناه كانت تشعر بألم قاس قبل تصيبها نيران الصهاينة..فقط شعرت حينها وكأنما أصابتها نملة .. تروح الأخت الأخيرة شهيدة بين أحضان أختها لتظل الأخيرة وحدها تصارع كوكب الشر وكأنما كتب عليها مواجهة الموت وحيدة .. اشتعلت نار الألم أكثر وأكثر في صدرها..لا تقتنع أن أختها قد استشهدت.. لا يمكن هذا..يالله كن معي يا الله.. لكن القدر قد سبق.. تجري يمنة ويسرة غير مبالية بأعيرة العدو الطائشة وقصفهم المدفعي الوحشي.. تدخل في طرقات فرعية ..شوارع جانبية من هنا وهناك.. لتقف فجأة مواجهة دبابة اسرائيلية تقتحم حي الخزاعة وتحتجز سيارة إسعاف جرحى ونقل شهداء إلى المشفى ..لتكون هي أيضا أسيرة في أيدي كلاب الأرض الذين ينهشون فريستهم دون أي رحمة.. أمسكها ذاك الخنزير وجذبها بقوة.. انتشل جثة أختها من يدها وألقاها أرضا.. وبكل دنائة وخسة ووضاعة التثم شفتين بريئتين لم تعرفا سوى الطهر والعفة والشرف..هي تدفعه ولكنه يقسو وبكل وحشية..ما تفعل أيها الحقير..أتبحث عن متعتة قبلة في ثغر فتاة..وأنت جندي مقاتل ..خسئت ورب الكعبة..لم تراعي حرمة المدنين ولا حق العزل ولا حتى شرف الأبرياء..كيف تراعيه وأنت يهودي قذر..ثم يفتح سيارة الإسعاف المحتجزة عنده ويلقيها في الداخل.. وعيناها تنظر إلى جثة أختها من زجاج السيارة والألم يزداد ..لا يكاد يحتمل.. قد وصل الأمر لذروته.. سمعت صوتا يهمس خلفها..سائق سيارة الإسعاف المحتجزة..كلمها بهمس ..يهدئ من روعها ويبشرها بنصر قريب..يوهمها أن الأمة لن تترك أرضا حول المسجد الأقصى بورك فيها بنص القرآن تنتهك وتبقى صامته رغم كل هذا الصمت الطويل طيلة أكثر من أسبوعين..تحترق وهي تتكلم..لا تقول سوى متى..؟ تألم السائق لحالها بشدة..حسبنا الله ونعم الوكيل ..

ابتعد المجرمون عن السيارة قليلا وأبقوها محتجزة وفيها جرحى أوشكوا على الهلاك..التقط سائقها بسرعة جهاز اللاسيلكي ليتصل بأحد ما يخبره بما حدث..ويطلب المساعدة..ولكن هيهات.. وصل صوته إلى الإعلام.. ونص حديثه ورسالته بصوته في الفضائيات.. أسعفونا فنحن تحت النار..نرى بأعيننا حربا حقيقية.. وتلك الفتاة المسكينة.. ما إن فتحوا لها المجال كي تتحدث.. حتى تكلمت وبكل حرقة تستنجد وتنادي..

صرخت فتاة حرة عربية... يا أمتي ذقت الأذى ألوانا

صرخت تنادي أمة عربية... فقدت عروبتها وتاهت برهة وزمانا

أحرق قلبي حديثها..وأشعل جمرا متوقدا في نفسي حالها.. تستغيث بأمة الإسلام ..لكنها تستنجد بأمة فقدت شرفها وعزتها..تستنجد بخونة وأعوان ..كالمستجير من الرمضاء بالنار..

لكِ الله يا أمة الله ..لكِ الله..

بقيت هكذا على حالها ..أسيرة جريحة يقتلها الألم.. تحدث إليها سائق سيارة الإسعاف.. نادها أكثر من مرة..لم ترد جوابا.. اقترب منها.. فوجدها تلفظ أنفاسها الأخيرة.. تقول بهمس غير مسموع أبرأ إلى الله منكِ أيتها الأمة الخائنة.. جعلت ترددها حتى الرمق الأخير..

احـــتـــراق كلـــمـــة

انتهى يومه الشاق..وقف في انتظار حافلة الأجرة كي تقله إلى بيته..أخيرا ركب الحافلة..اختار المقعد الخلفي بجوار النافذة..يحب كثيرا هذه الجلسة .. وضع يده على خده وأسند رأسه إلى زجاج النافذة بعد أن أعطى ذاك الذي يجلس بجواره أجرة الطريق ليدفعها معه..فجأة سمع ضحكة أنثوية رقيقة.. هو أمر ليس بغريب جدا..لم يفعل سوى أنه فتح عينه يبحث عن المصدر..وبابتسامة خفيفة أغلق عينيه ثاينة..

بعد قليل سمعها ضحكة أنثوية رقيعة هذه المرة.. من أين هذه الضحكة.. انتبه واعتدلت جلسته..عينه تقول أن جميع الراكبين شباب.. ثوانٍ قليلة كانت كفيلة بأن يعرف المصدر.. ذاك هو المقعد خلف السائق.. الفتاة الوحيدة التي تركب في الحافلة.. تتحدث إلى صديقها في الهاتف.. وتضحك بكل وقاحة دون اعتبار لأن الجالسين كلهم رجال.. الجميع منتبه لهذه الـ... , تتكلم كلاما فاضحا دون خجل أو حياء.. يبدو أنه نبهها (ذاك الذي تكلمه) تكلمت بكل بساطة كأن الأمر لا يعني شيئا..قالت له( يا بني أنا فاجرة) .. الجالسون يضحكون في نفسهم أو بصوت عادي..مازالوا يعتقدون أنها فتاة ولا يمكن لأحد إحراجها..

ضحكاتها تعلو وتزداد برقاعة غريبة لم ير هو مثلها من قبل.. تعجب بشدة ..حالها أثار استغرابه..أتكون هذه فتاة ليل مثلا.. ربما..أتكون على طبيعتها..يستحيل أن تكون فتاة في حالتها الطبيعية وتفعل ما تفعل هذه.. سمع أحد الشباب يقول..( أكيد دي مش فايقه..تلاقيها ضاربة حاجة) ربما ..يستحيل أن تفعل هذا فتاة وسط غابة ذئاب رجالية ..(تباع / سائق / شباب الله أعلم به ) ..انتبه الجميع مرة ثانية على شيء من كلامها الفاضح الذي يستحي الرجل ان يتلفظ به وحده وليس معه أحد.. كانت تصرخ في ذاك الذي تتحدث معه بطريقة تثير رجولة الجالسين.. ما فهمه السامعون أنها رأت مع صديقا ذاك فتاة في سيارته الخاصة.. نص كلامها القبيح يقول هذا..( يا بني قلتلك لو عاوزها... أجيبهالك لحد عندك زي ما مامتها جابتها و....) ثار الجميع فلم يعد هناك مجال للسكوت..ما بين ذاك التباع الذي يضحك ويشاغلها وهي تتحدث و رجل يستغفر بصوت عال.. وشباب يستعرضون بوقاحة فاضحة مثلها..

انقلبت الحافلة ( حبسا في سجن شرطة الآداب) هو جالس لا يعرف ما العمل.. كارثة بلاه الله بها في يومه الذي كان عائدا فيه بقمة الفرح والسعادة.. أنهت حديثها في الهاتف.. والتفتت لمن حولها..التباع.. وذاك الذي يجلس جانبها.. كل من طالها بلسانه تكلم.. كلمات يستحي المرأ خجلا من نفسه أن ينطق بها.. لكنها خلعت سترة الحياء وكشفت عن نفسها وسط تلك البركة التي أخرجت ما بها عليها.. كل ينهش فيها أو يحاول مشاغلتها.. ولسانها يستفيض في ألفاظه الوضيعة جدا.. التفت هو يبحث حوله..عـل فتاة أخرى تكون هنا ..مؤكد ستكون في قمة الخجل والحياء..ماهذا الذي يحدث؟ لكنها فتاة أحرقت كما قالت كلمة حياء من قاموسها..أستبدلتها بأرخص الكلمات ..اختارت كلمة تضيع الشرف قبل أن يحدث أي شيء.. هو يتابع الوضع ونفسه غلبته على القيء مما يسمع ويرى لكنه يدفعها ... لم يكن هناك فتاة سواها..خيرا كان هذا..

توقفت الحافلة لينزل أحد الركاب الذين أنجاهم الله من هذه البركة الخبيثة التي سقط الراكبون كلهم لذنوبهم فيها.. ونزل كثير من الذين كرهوا ما سمعوا أيضا قبل أن يصلوا إلى مقصدهم..آثروا أن ينجوا بنفسهم.. التفتت هي إلى الشباب في الخلف.. كان هو منهم.. تكلمت بكل وقاحة..وكأن حديثها للسائق..(معاك شباب حلو أهوه) تكلم أحدهم ( أفضي الصالون الي ورا) ضحكت بكل وقاحة ولم تعلق.. توقفت الحافلة مرة أخرى.. نزلت أخيرا.. وكأن حملا أزيح عن قلبه..لكنها وللأسف صعدت ثانية..هذه المرة إلى جانب السائق.. ومن قدرها السيء جدا أن امرأة محجبة تبدو عليها ملامح احترام الذات والوقار الأنثوي.. صعدت فجاورتها في جلستها.. ربما تحدثت إليها .. لكنها لا تأبه بأحد..

تأفف هو بشدة..جعل ينظر للطريق من النافذة ليعرف كم بقي على وصوله فقد اختنق حقا.. بعد قليل.. توقفت الحافلة ونزل أخيرا..بعدما ملأت أذنه كلمات تحرق قلبه على هكذا حال.. نظر إليها بعدما نزل نظرة استحقار وقد اختار لسانه كلمة واحدة تعبر عنها ..(فتاة رخيصة جدا) للأسف لمح في ملامحها جمال الوجه ..جمال على وجه صورته تحمل البراءة لكن صاحبته تحمل الوقاحة .. بركة مجهزة للضفادع بكل أدواتها ليسبحوا فيها كما شاؤوا.. بصق على الأرض وهو يلعن تلك الأجواء التي تعيش فيها هذه الوضيعة..ربما لا تكون بيئتها هي السبب..ربما تكون نفسها هي الخبيثة..وخبيثة بشدة.. لا يعرف أي ديانة تحملها للأسف هذه الـ... ليست محجبة كي يقول أنها من المفترض أن تكون مسلمة .. ولا يستطيع أن يجزم أنها على النصرانية..لكنه يجزم تماما أن أية ديانة سماوية حقة أو محرفة لا تقبل بهذا أبدا..

( أعتذر بشدة لبعض الكلمات الواردة في هذه الحكاية..لكنها حقيقة واقعه..ذاك الذي كان جالسا في الكرسي الخلفي للحافلة يراقب هذا الوضع المشين..هو أنا..كدت أموت في الحافلة..ما دعاني للبقاء حتى أصل.. سببين.. لو نزلت لن أجد حافلة أخرى بسهولة والسبب الأكثر شدة لأن أبقى هو أن أخرج بعبرة ارويها لكم ولكل من له عقل وقلب فقط لنتعظ )

رقــصــات مـهتــزة

اعتاد مع بداية يومه وقبل أن يفتح باب غرفته ليخرج..لا بد أن يفتح النافذة المقابلة لنافذتها هي.. تنتظره دائما ..تعلم أنه اعتاد هذا منذ زمن..ربما عن إعجاب.. عن حب..أو حتى عن شهوة رجالية..لكنها تسعد كثيرا عندما تلمح نافذته قد انفتحت ليشرق من خلفها بطلته البهية التي تحبها..وكأن آلة الكترونية تسير على نفس النمط اليومي..تربط خاصرتها بتلك الربطة.. لا تعيره انتباها بعينها ..لا تريده ان يشعر أنها تراه حتى لا يشعر بالحرج..قلبها ينبض بشدة.. داخلها يناديها لم كل هذا..افتحي النافذة على وسعها..تحدثي إليه.. بدأت تفكر ومازالت على حالها تغير بين تلك الرقصة وتلك..حتى تملأ عينه..حسب تفكيرها..

هو يقف ممسكا بالنافذة فقد أكل قلبه الشوق وذابت عيناه من السهر والنظر..لكن لسانه أخرس لا يستطيع أن يتحدث إليها يخشى أن ترفضه أو على الأقل لا تعيره اهتماما فيكون ذاك الحب الذي اختزنه قلبه لها وبالا وألما وحسرة..

هم أن يغلق النافذة ويخرج ذاهبا..لمحت يداه تمتد للنافذة ليغلقها.. اهتزت بشدة وهي واقفة وسقطت أرضا..ثم قامت مسرعة تداركت نفسها..وبكل شجاعة فتحت النافذة أمامه قد عزمت أن تكلمه..بين النافذتين مسافة قصيرة.. نافذته تطل على تلك الخرابة خلف البناية وهي في البناية المقابلة .. لو تكلمت لن يسمعها سواه.. لما رآها تفتح النافذة ارتبك وتصنع الإعتذار فهو لم يقصد مضايقتها وأغلق النافذة سريعا وخرج..

نزل من بيته مرتبكا يلوم نفسه..قد كانت فرصة أيها الغبي الأحمق.. شرد بذهنه ليصحو من شروده على كيان يصطدم به..انتبه..هي تقف أمام البناية.. ارتبك بشدة..اهتز وخارت قواه..وضاعت قوة أعصابه..حاول صعود الدرج مرة أخرى فلم تسعفه قدمه..فجلس أرضا.. شعرت هي بحرج شديد..تركت أمام الباب رسالة له.. وأشارت إليه أن يأقرأها..وانصرفت..

جمع أعصابه وشد قواه..وقام نحو الرسالة..أمسكها ليقرأها.. فتحها.. وجد بيتين من الشعر ..كتبتها له..

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع

أقضى نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهـم بالليل جامع

ثم قالت في رسالتها..أعلم أنك اعتدت أن تراني أرقص فتطرب.. ربما لا يملأ قلبك شيئا ناحيتي..لكني والله ما سمحت لنفسي بتلك الرقصات أمامك إلا لأنك سكنت روحي من زمن بعيد..ملأت جوانب قلبي فعشقتك.. والعشق داء أعلمه أنا وأحس به.. ربما يكون قلبك معي أو لا ..لذلك سأترك الألم يقطع أحشائي وأرحل عن هذا المكان حتى لا يقتلني رفضك أكثر ما سيقتلني بعدك..

لم يتمالك نفسه.. ضاعت فرصتك أيها الأحمق.. اهتز مكانه وسقط مغشيا عليه..

مرت أيام وليالي بعد رحيلها عنه..ليعود يوما إلى بيته فيجدها أمام البناية تنتظر قدومه.. ما إن رأته صعقت من منظره.. عرفت حينها أنه كان كما كانت هي.. يعشق ولا يتكلم.. صار نحيلا هزيلا.. اقتربت منه ..الآن يجب أن أتكلم..فما ضاع أكثر مما بقي..

انتفاضة شعب

ليس يكاء على حال ولا خوفا من مواجهة ..لكنها نبضات صادقة ونظرات مودع.. حايلوه حتى يأكل.. يشرب.. لكنه يأبى فقد حان الميعاد أيتها النفس الأبية ..مالك بمتاع الدنيا الزائل عن قريب.. تأهبي للقاء الله.. هكذا كانت نفسه تحدثه ويحدثها.. هم يعلمون هذا جيدا..يريدون تخفيف الألم الذي به بمزاح تارة وشد لعزيمته مرات.. لا يعلمون أنه ينتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل.. وأنه في قمة السعادة اليوم..

جهزته أمه ..ألبسته هي بيدها ذاك الحزام الناسف.. ودعته بدمعات تسيل كما البحر الذي شق نفقا على خدها..بتنهيدات تخرج من القلب المحترق للوداع ليس لما هو ذاهب إليه.. وغاب عن نظرها.. كفكفت دمعاتها..ورفعت أكفها لله تدعوه أن يتقبل ولدها الأخير في الشهداء ويلحقه بإخوته السبعة..

وحانت ساعة الصفر..في ذهنه أكثر من تفكير..أكثر من هاجس ..نفس أمارة بالسوء وروح تملأها العزيمة ونفس أخرى تسعى للقاء الله سعيا.. غلبته فكرة واحدة..الآن سأسحب صمام الحزام..وتفتح بوابة الجنة على مصراعيها.. وقف بعيد عن مكان تنفيذ العملية.. صلى ركعتين..رفع كفيه يدعو ربه..رب إنك تعلم ما في نفسي.. هو ابتغاء الشهادة لا انتحارا كما يقولون هم.. ثم قائم راحلا..

وصل إلى مكان تنفيذ العملية .. أخرج الدنيا من قلبه ..محى من خياله كل شيء..لا يريد ان يرى إلى الجنة بعينه..يشم ريحها ويريد أن يصلها.. على دراجته النارية يسير بها ..فجأة تتغير الموازين..يزيد من سرعتها..يقتحم (كمين) العسكر الإسرائيلي انتظر ريثما اقترب رجال أكثر منهم.. الوقت مناسب ..ستكون عملية استشهادية .. عزا له ولمن بعده وخيبة وخسارة على العدو.. فكرة مرة سريعا بباله عندما رآهم كثر.. وسحب الصمام..وانفجر بدراجته وسطهم.. تصعد روحه الطيبة الطاهرة لربه..وتتطاير أشلائهم الخبيثة هنا وهناك.

ليس وحده من يموت شهيدا..بغزة مثله كثير..العزة والإباء والكرامة لكم أيها العب المناضل..أيتها النفوس الأبية العزيزة التي عرفت حقا أن الله ناصرها فانتفضت لتعلي كلمته.

يموت غريقا أو تضرب عنقه

خرج من بيته متأخرا والليل قد ملأته الظلمة وأسدلت قطرات المطر ستار الشتاء عليه.. لا يشعر بما حوله..شغله التفكير.. يكاد يقهر لما يرى ويسمع يوميا..صورة القتل لا تغيب عن عينه..لون الدماء.. ذاك المشهد المريع .. راح يتجول بين هؤلاء الذين يعيشون تلك الأجواء بخياله..تخيل نفسه يتحرك بينهم..تلك أم ثكلى وذاك طفل رضيع يبكي لا يجد أما ترضعه وبعد قليل يسكته صوت المدفع..ويروح صريعا ..

يمشي كأن الدنيا بأثقالها وحملها وضعت على قلبه يحملها هو وحده.. وجد نفسه واقفا على ضفة النيل..نيل مصر (العظيمة) ..نزل إليه حتى غطى ماؤه ساقيه..أنفجر بالبكاء واختلطت دموعه بماء النيل.. فجأة سمع صوتا غريب يناديه..ولدي.. لم تبكي..ارتعد خشية أن يكون أحدا يقف وراءه..جعل يبحث لكنه لم يجد..ثم سمع ذاك الصوت يتكلم..لا تخف أنت في أحضاني أنا من سيجيبك عما تسأل.. أغسل آلامك وأنقي داخلك..قلي ما بك؟ نظر وجد وجها مرتسما على صفحة النيل هو من يتكلم.. فبدأ يشكو ويتكلم..

أيها النيل العظيم..أنت الشاهد الوحيد أمامي عبر الزمان والتاريخ..أنت أنت..شهدت زمن عمرو بن العاص زمن الخليفة عمر بن الخطاب.. أياما قالوا لنا أنها كانت أيام نصر وعزة..أليس كذلك.. نعم يا بني هي كانت كذلك.. مصر هذه يا ولدي كانت يوما كالمدينة في طهر أهلها ونقاءها غير الذي تراه اليوم..

ولكن جرح مصر لا يؤلمني أكثر من ذاك الألم الذي نعيشه اليوم أيها النيل.. غزة ومأساتها حصار وجوع وقتل.. تأوه ثم تابع..ذكرتني يوم كان الراكب يقطع المسافة من جنوب مصر هذه إلى الكوفة والبصرة دون أن يعترضه أحد..لا يجد معبرا مغلقا ولا يحصره أحد.. يخشى الله والذئب على غنمه.. تريد من يخبرك بحالكم هذه لم صرتم إليها أكثر مني خبرة وأعلم مني.. من أيها النيل من؟ إذا لنرحل معا وسترى..إلى أين؟ تعالى معي وستعرف.. فجأة لفة الماء بين أحضانه وراح يدور به سريعا..و توقف فجأة..

خرجا ثانية.. تعجب مما يرى ..أين أنا؟ أنت الآن على مشارف غزة التي تقول عنها..ادخل سر وانظر ماذا سترى..ستجد قوما ينتظرون قدومك هناك..معهم من سيخبرك الخبر الذي تريد.. ارتعد واهتزت موازينه.. لا تخف أيها الفتى .. راح يمشي حتى رآى عن بعد قوما يجلسون أرضا..ولما لاح لهم عن بعد قام أولهم وراح يقترب منه..حتى تقابلا سويا.. وجد الفتى زي هذا الرجل غريبا..كما يقرأ في كتب التاريخ..ويلي من هذا؟ وعلى خاصرته سيف أيضا..

وصلا سويا لهؤلاء الجالسين.. وتكلم معه ذاك الرجل.. لا تخف أيها الفتى.. أنت ابن القرن الواحد والعشرين الميلادي أليس كذلك؟ نعم هو أنا.. وأنتم من؟ نحن رجال القرن السادس الهجري يا بني..أرأيت الفارق بيننا.. نحن من ترك لمن بعده هذه الديار طاهرة منتصرة حتى وصلت لمن أضاعها وباعها لهم..

أنت من سيدي ؟ أنا قائد هذه الفئة..هؤلاء الذين لا تجد معهم سلاحا سوى السيف والترس.. قوم أرادوا إعلاء كلمة ربهم بعزيمة وإخلاص فنصرهم..قوم جاهدوا حقا لم يبيعوا أو يخونوا.. رجال أمسكوا السيف بكف وعلى الأخرى حملوا أرواحهم.. أنت إذا.. نعم أنا ..أنا صلاح الذي وقف على قبره ذاك الخنزير يخبره بخبر عودتهم.. انصرونا مرة أخرى أيها الفتى أعيدوا قوتنا ..احتموا بربكم ..أخرجوا الخونة من بينكم..اتركوا العملاء..وحدوا صفوفكم واجمعوا على الحق كلمتكم قبل أن يلعنكم الزمان وتبلعكم الأرض \ثم توقد بكم النيران.. أنقذوا أنفسكم.. كان قد أغلق عينه كي لا يرى وجه الرجل وهو يتكلم..ثم انتبه بعد أن أمسكه بيده يهزه ..أيها الفتى..عد إلى قومك وأبلغهم ما قلت كي لا تكون قتيلا بسيفي هذا..

انتبه الفتي حينها..يبدو أن الغفلة أخذته من شدة التفكير..راح نائما بين أحضان النيل يحلم بهذا القائد العظيم وانتبه خشية أن يموت ضربا بسيفه..إذ به مختنقا قد غمره الماء.. تحرك سريعا وخرج إلى صفة النيل ثانية..

راح عائدا إلى بيته..يجر نفسه جرا فقد أثقله الماء ..شعر الآن بالبرد الشديد..جعل يحاول أن يتذكر تلك الكلمات التي سمعها في غفوته أمام ذاك القائد..

خطر على باله بوم كان قوم موسى عليه السلام يخشون ما كان سيجري له اليوم مع ذاك الفارق..عندما اقتربوا من البحر ووراءهم فرعون بجيشه..يموتون غرقى أو تضرب أعناقهم لكن نصر الله ورحمته شملتهم ونجو مع موسى عليه السلام..

أخيرا تذكرتلك الكلمات..سأبلغها وسأعمل بها..قبل أن ينتهي كل شيء.

 
') }else{document.write('') } }