المرة دي واجب..

بداية أعتذر اليوم عن قطع سلسلة القصص بهذا البوست ولكنه طلب من مدونة عزيزة جدا وصديقة أحببت تلبيته.. والتدوينة القادمة بإذن الله قصة اسمها صحفي أون لاين..خليها لوقتها بلاش أحرقها..

الطلب الي جالي كان من الأخت أنجل مدياني واجب بتقولي حلو..أنا مصدقت على الله خلصت مدرسة عشان أرتاح من الواجبات بس خير تكرم عيونك يا ستي..

الواجب هو سؤال بيقول : اذكر 16صفة عن نفسك..؟ ولو ان السؤال صعب شوية بس هحاول أجاوب ومتخدوش كلامي على انه مدح في نفسي أو ذم في نفسي بردو ..أنا هتكلم بصراحة مطلقة..

الصفات 16هي..

1)رومانسي جدا جدا جدا وتعبان قوي مع الحب اليومين دول..لدرجة اني لما بقعد لنفسي بأبكي فعلا..

2)مش بحب حد يرفضلي طلب ولو كان بزعل قوي بس مش ببين بقول كل واحد براحته..

3)مش بحب حد يفرض علي شيئ أنا مش عاوزوه ولما بيحصل من أهلي في البيت بعمل الي هما عاوزينوه على مضدد (يعني وأنا مخنوق وهطق)

4)بحب الكتابة جدا خاصة الخواطر الشخصية والقصص..وبعشق القراءة قوي خاصة كتابات المنفلوطي وعلي الطنطاوي والرافعي..

5)مش عصبي إطلاقا ..بحب الخلوة بنفسي كتير وبتعب جدا لو حد قطع علي حبل أفكاري..

6)متفاهم ومش بحب أعاند مع حد حتى لو كان غلطان لإن الجدال مش من طبعي..

7)بحب أتكلم وأحكي كتير ونفسي حد يسمعني ...

8)بلاقي نفسي وأنا واقف ع البحر .. براجع صفحتي وأنا هناك..

9)أكتر حاجة تسعدني إني أحس بسعادة إنسان أو إنسانة أكون أنا السبب فيها..

10)أكتر حاجة تزعلني لو حد خاني..فعلا بغضب بشدة وساعتها بعمل عجايب(ربنا يكفيكم شر الخيانة)

11)بحب مهنة الصحافة جدا وبمارسها اليومين دول كصحفي بيتدرب يعني.

12)معنديش أصدقاء كتير يمكن كمان مفيش حد أعرفه أقدر أقول عليه صديق.

13)بحب الخروج والسفر وبكره الوحدة تماما ..

14)بأتمنى شيئ في نفسي كده لو حصل هأكون أسعد إنسان في الدنيا ولو لا قدر الله مش هأكون أتعس إنسان لإني هأكون متت خلاص وانتهيت.

15)مش بحب أزعل حد مني أبدا مهما كان حتى لو علاقتي بيه عادية جدا

16)بيعجبني رأي الناس بس مش بوقف حياتي عليه الحلو بتأكد منه بيني وبين نفسي والوحش بدور عليه في نفسي لو كان بغيروا مكنش يبقى رأي لا قدم ولا أخر..

طبعا زهقتم مني

معلش التدوينة الجية هتعجبكم إن شاء الله..

معلش الكلام المرة دي بلدي خالص بس يلا خير خير..

أنتظر آرائكم ع الواجب ده..ياترى حليتو صح ولا هأصقط في الإمتحان..

تحيتي..

في أحضان الضياع..

بات تلك الليلة وقد أخذ الألم بمجامع قلبه.. ارتمى بجسده على فراشه ..طمر وجهه في وسادته, تضاجعه المرارة ويعصر فؤاده الحنين.. لأول مرة يشعر بوجع الوحدة ونار الفراق.. أول مرة يشكو لظى احتراق الروح..

سكبت عيناه على وسادته الدموع..لم يسترح شيئا قليلا ليلتها.. فقد أعلنت الحرب الضروس على قلبه الرقيق ..الذي أحب به وأوفى.. ولم يبغض به ويجفى.. لكنها الأيام تأتيك بما لا تحب وقتما لا تحب..

عيناه لم تذق السهاد..لم يعرف طعم الرقاد أبدا.. جعل يتقلب على فراشه كالمتقلب على الجمر.. يا له من ألم أصابك يا قلب.. حرارة تملكت نفسه حتى بدا نورا من داخله من شدتها.. كحرارة الشمس عندما تمد القمر بالضوء..

يوم أن أحبته لم تبد له إلا بعد أن هام على وجهه.. يوم أن جعلها تغضب غير قصد منه لم ترض إلا بعد شرب كأس المرارة وتجرع رشفات الذل.. يوم طلب أن يحاكي أهلها لم تعط له مجالا إلا بعد أن قدم تنازلات يبدي بها صدقه ووفاءه وجديته.. ويوم أن تحدث مع أمها وجدها امرأة عاقلة تقبلت منه كل ما أراد غير انها رفضت تماما أن يكلمها ثانية قبل أن يذهب إلى دارهم ويتعرف بأبيها ويتعرفوا به..

يوم أن أحبها تكلم ولم يخف..رق لها وأخرج مكنونه.. يوم غضبت أسام روحه الذل وأضاع هيبته أمام نفسه من أجل أن ترضى.. يوم تحدث لأمها انصاع لكلامها وما تريد وفتح أمامها بوابة يدخل الأمان منها لقلبها نحوه.. كل ذلك لأنها يحبها..

ويوم أن قالت له أمها لا تتحدث إليها إلا بعد ان تأتي زائرا لنا.. وقد كان هو وهي على تمام اليقين أن هذا رأي أمها .. وأنهما سيبقيا على صلة وإن قلت بصورة أو بأخرى..يتحدثا يوما مرة وآخر لا.. لكنها تراجعت عن اتفاقها ذاك و انصاعت لرغبة أمها.. وتركت قلبه يحترق ويحترق ويمتلأ رمادا..

يومُ ُ أشد عليه من أن يطأ خيلا بقدمه صدره ..يوم صرخت فيه كل الجمادات من شدة ما ألم بقلبه.. يوم سجلته صفحة تاريخه نحتا بالنار على صخرة الزمن الذي لا ينسى..

هو ليس معارضا لفكرة الزيارة..لكنها تحتاج بعض الترتيبات المسبقة أهمها أن يخبر أهله بتلك الزيارة.. الأدهى ما سيكون موقف أهله.. ذاك كله يحتاج أياما وأيام لا تقل عن أسبوع.. سبعة أيام كوامل..يغيب صوتها عن مسمعه.. تغيب ضحكاتها عن العزف على أوتار قلبه..

يومها أحس بالوحدة والفراق .. أحس بهزة تهد كيانه من الداخل.. كأنما كل شيئ بناه في عقديه السابقين انهار في لحظات..

بدأ ينظم نفسه ..يحاور أهله.. بدأ جولة الصراع من اجل الوصول لمرامه.. يعمل بكل طاقاته ليرفع سلما يصعد به لبرجها فقد بعد الأمل شيئا قليلا بعدما كان اقترب..يتمنى أن لا تقذف به الأيام كلما صعد درجة..فهو يسابق الزمن كي يصل لها..

بعث لها رسالة.. (لو أن الدنيا وقفت على قدم وكان وصولي إليك يتطلب مني أن أكون قدمها الثانية لفعلت كي أصل.. لأني أحبك)

فهل سيصل.. أم سيعيش عمره في أحضان الضياع ؟

من نظرة عين..

ذاك الجمال الذي رأت عينه..أي جمال هذا ؟...لم يكن حلما بل حقيقة.. فتاة كالبدر ليلة تمامه..قمر يسير على الأرض..

دعوه لحفل عقد قران أحد أقاربه.. كان في عجلة يومها..كلفوه في المسجد بالأذان لصلاة العشاء..

الحفل بين المغرب والعشاء.. أبى وقدم ذلك عذرا لكنهم لازموه حتى ذهب معهم.. لا يعرف هو ولا هم أنه ذاهب لقدره..

كان عقد القران بأحد المساجد القريبة ..ليس بعيدا.. دخل المسجد..جلس يستمع لكلمة المأذون أو الشيخ قبل العقد.. قدموا عصيرا فلم يشرب.. حلوى لم يأخذ..كل ذلك وهو في عجلة من أمره , يريد الإنصراف سريعا..

انتهت كلمة الشيخ.. تقدم إلى أن اقترب من كاتب العقد و الزوج.. شاهد كتابة العقد.. ما إن قال كاتب العقد والله على خير الشاهدين وقالها الزوج وراءه.. حتى انطلقت النساء بتلك الزغاريد العالية .. ليقضي الله أمرا كان مفعولا..

النساء في الدور العلوي..لم تكن الستائر بينهن والرجال مغلقة..

رفع عينه إلى الأعلى قدرا ليقع بنظره عليها.. فتلقي بسهام الجمال البديع حبها في قلبه من النظرة الأولى..

فتاة كالجوهرة.. حسن بارع ووجه صبوح خلاب.. تفصيلات حسنها تضوع رقة و أنوثة..

لم بستطع أن ينزل بصره عنها.. تبسم في وجهها.. ضحكت له.. أبانت عقد اللؤلؤ المرصوص في فمها بدلا عن الأسنان.. أحس بروح تمتزج بروحه..شيئ يختلط بقلبه.. إحساس رائع يغلف روحه..

كان بيدها آلة تصوير فوتغرافية تصور بها الحاضرين والزوجين ..,وعندما نظر لها وضحكت له..تحول اتجاه الآلة إليه هو.. التقطت له صورة..

قلبه يرجف.. أهله الذين معه وأصدقاءه..أين ذهبت؟ غاب عن وعيه معها.. ونسي أن وراءه الأذان..

فجأة ربت على كتفه أحد.. التفت .. ذاك صديقه.. لقد كنت في عجلة تدعي أنك ستؤذن..ما بالك بعد أن قضي العقد ما زلت هنا...لم يبق على الأذان شيئا.. رد وهو يتبسم.. حالا سأذهب..

رفع رأسه مرة أخرى .. يودعها بنظرات حب وكأنه يطلب منها الوصال.. فوجد ورقة تسقط من يدها تشير له إليها.. أخذها من الأرض.. فتحها.. وجد اسمها ورقم هاتفها.. أميرة.. فقال في نفسه ..بل سيدة أميرات الجمال..

راح يمشي متجها لبوابة المسجد وعينه عليها حتى غابت عنه.. وقلبه ما زال معها..

انصرف ذاهبا لشأنه..

وصل على الموعد تماما , رفع الأذان..وصلى بالناس العشاء..

قرأ في الركعة الأولى.. (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في نفوسكم,علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدونهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا..) وسكت برهة .. رده الذي خلفه.. استعاذ بالله وأكمل القراءة..

هو لم ينس الآية ولكنه توقف عند هذا الجزء (علم الله أنكم ستذكرونهن)..

عاد لبيته.. سجل رقم هاتفها على هاتفه النقال .. جلس يحلم مع نفسه ويتخبل.. يحاول الإتصال ثم يراجع نفسه..

هكذا حتى وجد نفسه يتصل..ألو .. أميرة.. ..يتلكلأ في كلامه ..أنا.. أنا..

فهمت وعرفت من هو ..قالت أنا فهمتها..انت من ؟ ومن تريد؟

فرد سريعا أريدك أنتِ.. فأمسكت الضحك بشدة..وقال تبدي الهجب.. نعم.. تريد ماذا؟

فتكلم..أنا ذاك الذي رأيته الليلة في المسجد.. .. أنت هو؟ نعم أنا ..تريدين أمارة.. فقالت لا.. عرفتك لكني كنت أمزح .. أو كنت أنتظرك تفصح عن نفسك..

سكتا سويا.. ضحكت من سكوته ثم قالت له ما بالك تسكت..قل ما تريد.. تنهيدة طويلة..أتبعها لقد أحبك من أول نظرة..

ثم قال لها..

وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر عيونكِ يعشق

فضحكت وضحك... وأكملا حديثهما..

رحلة الليل..

(1)

جاء في حكاوى الزمان وأخبار أهل الشام ..قالوا:

حدثنا عبيد بن دريد قال:كنت سائرا في أرض الشام فوجدت فارسا يمسك جواده من اللجام,عليه علامات عجيبة كأنه من أرض غريبة,يرتدي لباسا عربي.وعلى رقبته شال قطني..

يجول بفرسه في المكان لا يدري أين تنزل قوافل الركبان.. ظل هكذا برهة وظلت عينايا معلقة به..

ولما انتبه إلي نظر إلي نظرة..واقترب مني خطوة فعلمت أنه أراد سؤالي..فسرت نحوه علّي أنفعه.,أو أجيبه عن أي شيئ يجهله..فلما وصلت عنده ,ترك لجام فرسه ونزل من عليه..فسلم وسلمت ورحب ورحبت.. ثم قلت له:أراك تائها ياأخي ..هل من خدمة أقدمها؟ فسكت وما تكلم ..فأعدت عليه وزدت..من الرجل ومن أين؟

فقال "أنا بن الحارث المهدي,سيد قومي ,الأمر فيهم إليّ , أرسلت رجالي إلى الشام,كي يسوقوا قافلة إليّ , لكنهم أطالوا المقام وكأنما أعجبنهك الشام..

فقلقت لأمرهم وسألت عن حالهم...فحدثني الناس ومن خوفي زادوا.. فحاولت تكذيب مقالهم وقلت إشاعات وخرافات..

لكن نفسي عارضتني..أشعرتني بخوف غير معهود..فبت ليالي أنتظر فلما طالت المدة نويت الرحيل..

أخبروني أن من الطريق ضاع الأمان,وربما يكون رجالي خانهم الزمان..وحاولو معي أن أعزف..

لكنني ما صدّقت الخبر وودعت أهل الدار..وأخذت راحلتي وفرسي.وبه صرت أقطع المسافات الطوال..وفي بعض الطريق..نزلت لأقضي حاجة فرأيت نارا موقدة.فتذكرت كرم حاتم,فقلت إني إليها ذاهب..علي أجد قوما ذو ضيافة..وإن كان غير ذلك ..فسيفي وقلبي جلد قوي..

فلما وصلت إلى النار لم أجد عندها أحدا ففزعت ثم هممت بالرحيل..عندها ترآى لي رجل ضخم..فقرع الخوف أبواب قلبي بشدة ورفعت سيفي لأبطش به ..لكن يدي وقفت وتملك الرعب جوانبي .. أيقنت عندها أن العرب لم تنجب جبانا مثلي..وأدرت واجهة الخيل وصرت أجري به لاأعرف كيف ولا إلى أين؟

وفجأة توقف عن الركض وصرت أضربه لكنه يأبى.. وأحاول السير به لكنه لوى..سمعت حينها صوتا يريع الآمن في داره..رجف قلبي و اهتززت..وأدركت أنها نهاية العيش..وندمت أن لم أصطحب أحدا يؤنسني..وبينما أنا كذلك ظهر لي ذاك الضخم مرة أخرى,وبدأ يتكلم..من أنت ومن أين ..لقد اقتحمت ديارنا وروعت أمننا.....

أقسمت حينها أنه جني.. وعلمت مآل رجالي..

ثم من غمد السيف أطلقه..وفي وجهي أشهره.. قال لي: ما معك آخذه آخذه..لكن بعد أن أريق دمك.. و أجعل في الطريق عبرة عندما أقطع رأسك.. فقلت له.. وماتستفيد من هذا؟ خذ ما معي واتركني أرحل..

أخرج عندها صوتا قط لم أسمعه..

(2)

قلت له.. أنت قاتلي وأنا لن أعارضك.. ولكن دعني أصلي ركعتين اثنين .. فتعجب لكنه لم يرفض..

وكنت على غير وضوء.. خشيت أن لا تجدي ويزداد الأمر سوء .. لكنني كبرت وصليت.. خففت القيلم والركوع .. وأطلت في سجدة النهاية.. دعوت ودعوت .. وقبل أن أرفع من السجود رأسي .. أو حتى أحرك ظهري.. سمعت صوتا عاليا..كأن الأرض تهتز أو أن جبلا مشى سائرا..

قمت من سجودي وأنهيت صلاتي.. فوجدته ما زال واقفا .. سألني أنتهيت.. قلت .. نعم.. ولكن..

فقاطعني..دون لكن ..همذا اتفقنا وها قد جاء وقت الإتفاق يا رجل.. وأشهر سيفه .. وهم أن يضرب به عنقي..

كنت في حال الله أعلم بها.. أتخيل رأسي يطير..أتخيل أن سيفه يكسر.. وانا أقول في نفسي يارب بارب..

علق سيفه في الهواء.. يبست يداه.. قليل من الوقت ورأيت ذاك الفارس المغوار.. يقبل من بعيد بعزم وقوة وإصرار... وصل إلينا.. نزل من على صهوة خيله..أمسك بسيف ذاك الذي نوى قتلي.. وقتله به.. رأيت عندها عجبا.. لم يخرج منه قطرة دم واحدة..

ثم نظر فيما أخذ مني ذاك الوحش.. أعاده لي فأوفاه ..كل ذلك ولم يتكلم.. فسألت من الرجل.. قال هذه لا تسأل عنها.. فسكت قليلا ثم قلت وكيف علمت عني.. فقال هذه أيضا لا تسأل عنها.. فأعقبت ذلك سؤال.. ألك مع تار مع ذاك الرجل..؟ فما تكلم..

ظل مرافقا لي حتى أبواب الشام.. نزلت ألملم رحالي أقيل ساعة.. صحوت من نومتي فلم أجده.. بحثت عنه ولكن لم أعتر عليه..

دخلت دياركم وأخذت أبحث عن معونة من أحدكم.. فوقت أنت لي.. فجزاك الله الخير عني..وأبعد الأذى عنك إن أنت أخذتني وإلى دارت أوصلتني..وبكرمك ضيفتني.. ثم تركتني ..تركتني داع لك بكل خير..

ما هذه عاد أهل الشام..كرم وضيافة.. واحدة تكفي.. فقال له ..على الرحب والسعة يا أخ العرب تفضل معي البيت من هنا..

اصطحبه حتى وصل الدار..وأدخله غرفة الضيافة..استأذن منه أن يذهب لأهله لبعض شأنه ويعود حالا.. فقال له أنتظرك أيها الكريم..

بقي الرجل ينتظر وينتظر..زطالت المدة.. فعلم أنه لن يعود.. فقا يبحث في البيت خلسة.. فلم يجد أحدا..

, فخرج الضيف إلى السوق, واشترى ما يحتاج إليه من طعام, وبعد أن عاد إلى البيت وكتب لذاك الذي أوهمه أنه حاتم في كرمه.. يقول:‏ يا أيها الخارج من بيته‏ وهارباً من شدة الخوف‏ ضيفك قد جاء بزاد له‏ فارجع وكن ضيفاً على الضيف‏

ثم ترك المنزل ومضى في طريقه..

تمت

عفاريت الحب..

(1)

على مدارج الحياة وضعه القدر.. شاب لم يجتز الخامسة والعشرين من عمره بعد.. أنهى دراسة الهندسة منذ سنة.. وبدأ يفكر في العمل..

أمه امرأة نيفت على الستين ..تقول له ولدي بسام..لست بحاجة هذا العمل أبدا..ما أملكه من أراضي وعقارات تدر علينا ما يؤكلنا شهدا طيلة حياتنا ..إن أردت فافتح مكتبا هندسيا خاصا بك..

لكنه يأبى..يريد أن يكتسب خبرة ثم يصنع ما يشاء..

في ذات يوم..كعادته أنهى طعام افطاره..وخرج يتابع مسيره في مراسلة مكاتب الهندسة المعمارية وشركات المقاولات في مصر وخارجها علّه يعثر على عمل..

في الظهيرة عاد تعبا مرهقا.. وجد والدته مازالت بجلستها التي كانت عليها وقت الإفطار أمامها كاس الماء.. تستند على منسأتها.. تعجب كثيرا.. ربما تكون عادت فجلست..لكن الطعام كما هو.. لم ترحب به وتقم لتأخذه بين أحضانها كما العادة فهو وحيدها...

ذهب يكلمها..يساعدها لتقف و يوصلها غرفتها.. لم ترد عليه جوابا.. وجدها ثقيلة ليست هذه العادة يا أمي,انفلتت يده قدرا منها ..لتسقط عصاتها من يدها وتلحق هي بها.. عندها صرخ بصوت عال..أمييييييييي...

سبق القدر على أمك يا بسام وصرت وحيدا.. عاد من جنازتها بعد عشاء تلك الليلة يحمل هموم الحزن على قلبه ودموع الحسرة في عينه.. وثقل المرارة يربض على صدره..

وجد مدخل البناية يعج بالناس ..جاؤوه معزيين.. لا يعلمون أهم يعزونه في أغلى غالية..

انقضت أيام العزاء الثلاثة.. كان خارجا ..بينما يفتح الباب وجد خاله يقف أمامه.. ارتمى في أحضانه يبكي..

دخل خاله المنزل..جعل يدور بين جنباته..ثم قال..لقد تركت والدتك رحمها الله أراض كثيرة عندنا في القرية..هذا زيادة على عقاراتها.. ولأن أخوالك جميعهم مقتدرون كل منهم عاف هذه التركة وقال نتركها لإبن أختنا..هو أولى بها..فأنت يابسام وحيدا.. ولكن..

فقاطعه بسام باختصار ياخالي باختصار .. ولكنك يا بسام لا تعرف عن ذلك شيئا.. ماذا تقصد خالي.؟

أقصد أنك تجمه حقيبتك الآن وتغلق هذه الدار وتأتي معي إلى بلد أمك ترى تركتها وتعيش بيننا حتى تدرك حسن التصرف فيها حينها افعل بها ما شئت..

بين معارضة بسام ومحاولة خاله اقناعه..رضخ لطلب خاله..

ومع صباح الغد وصل مع خاله بلد أمه.. ليبدأ رحلة حياة جديدة لم يعتد عليها من ذي قبل..

(2)
طلب بسام من خاله أن يسكن معه في بيت جده .. لا يريد أن يسكن في بيت أمه فيجرح نفسه بسكين الذكرى القاتلة..

قسم وقته يوميا بين زيارات أخواله وخالاته..وبين المكوث قبل المغيب بساعة وحتى العشاء في أرض أمه.. الشيئ الوحيد الذي أصر أن يطعن نفسه بخنجر ذكراه..هي تلك الأرض..

ليس هاويا للزراعة والفلاحة..لكنه يهوى المناظر الطبيعية الغناء..

في يوم كان ذاهبا من بيت خالته إلى الأرض..قبل المغيب بساعة.. جلس يسسر بين تلك الأراضي والحقول الغناء.. ما بين شجر برتقال وموز .. أو حتى ورود مزهرة .. حتى وصل أرض أمه..

اعتاد أن يجلس في مكان معين..يفرش فرشته..معه الشاي والقهوة وشيئ من المكسرات.. وقصة يقرأ فيها..

مل القراءة.. فجلس يتغنى .. صوت عذب وكلام جميل حلو.. نسمات آخر النهار.. وزقزقة عصافير تعود لأعشاشها .. وهديل حمام يرفرف بجناحيه ويسمع..

ومما تغنى به..

يا ليت من لامنا في الحب جربه فلو يذوق الذي قد ذقت لم يلم

الحب داء عيا لا دواء لـــه إلا نسيم حبيب طيب النســم

أو قبلة من فم نيلت مخالســة وما حرام فم ألصقته بفــــم

وبتلك الأبيات..

أغار عليك من عيني وقلبي *** ومنك ومن زمانك والمكان

ولو اني جعلتك في عيوني *** الى يوم القيامه ماكفاني

فجأة سمع صوت قدم تسير تجاهه.. حمل مشعل الضوء..فقد اصفرت الشمس فلم بعد يرى بوضوح..وقام نحو الصوت.. فوجد فتاة لم يتبين شكلها تسير نحوه..

تعجب ووقف ينتظر.. فلما وصلت عنده.. قالت ..السلام عليك يا .. وسكتت فقال .. بسام.. هل من خدمة أقدمها..

نعم .. قد كنت مارة من هنا فسمعت صوتك تتغنى فأعجبتني تلك الكلمات وذاك اللحن هل لك أن تسمعني مرة أخرى..

ولكن أظنه لا يمكن أن تجلسي معي هنا.. لماذا؟ معك أحد.. لا ولكن.. دون لكن هيا أسمعني أيها الفتى الهائم..

حسنا.. اجلسي هنا ... اسمعي هذه..

تسائلني حلوة المبســم *** متى أنت قبلتني في فمــي

تحدثت عني وعن قبلـة *** فيالك من كاذب ملهــــم

فقلت أعاتبها: بل نسيـت ِ*** وفي الثغر كانت وفي المعصم

سلي شفتاك بما حستاه *** من شفتي شاعر مغرم

كان ينظر إليها يرى تفاصيل وجهها ويتبسم.. فتاة جميلة تسير وحدها في هذا الوقت.. وتجلس مع شاب لا تعرفه ولا تخشى على نفسها .. عجبا.. وأكمل..

أم تغمضي عندها ناظريك *** وبالراحتين أم تحتمـــي

فأن تنكريها فما حيلتــي *** وها هي ذي شعلة في دمي

وأن شئت أرجعتها ثانيـة *** مضاعفةً للفم المنعــــم

فقالت وغضت بأهدابهـا: *** إذا كان حقاً فلا تحجـــم

سأغمض عيني كي لا أرك *** وما في صنيعك من مأثم

كأنك في الحلم قبلتنـــي *** وقلت أفديكِ أن تحلمـي

وهي تضحك لا تتكلم..

ثم سكت وجعل ينظر لها.. فقالت..مالك سكت أتريد أن أرحل...

لا لا..ولكن ..أتريدين شيئا آخر.. بالطبع نعم.. أغمض عينيه ثوان قليلة ثم فتحها وهو يتغنى بـ..

أحب حديثها وتحب قربي *** وما أن نلتقي إلا لمامـــا

فيا ليت النهار يكون ليلاً *** وليت الصبح لا يجلو الظلاما

ويا ليت الحمام مسخرات *** لترسل في رسائلنا الغرامـا

لعل حمامة تلقي إلينــا *** كتاباً منك نجعله إمامـــا

ما إن أنهى هذا المقطع حتى قامت ذاهبة ووجهها نحوه تقول له.. سأعود غدا..وداعا

فهل ستعود يا ترى؟

.تتمة القصة.

شيئ ما جعله يرتجف..قلبه يدق سريعا..لملم فرشته..وضعها في جانب وراح يتابع خوات تلك الفتاة.. لكنها غابت عن أنظاره سريعا..

جاء اليوم الثاني.. بدأ يتغنى منتظرا تلك الفتاة..جاءت على الميعاد.. غنى لها وهو سعيد جدا..

كانت تبتسم له وتضحك..

قام يضحك معها و يهش لها ويبش.. جاء ليمسك يدها..

تبخرت كالسحاب ..

راحت بعيدا..وذابت في السماء..

كاد الخوف يقتلع قلبه من مكانه.. سمع صوتها يقول له..كنت أريد أن أظل معك دائما..لكنك لم تعرف من أنا؟

أنا من عالم غير عالمكم..وللأسف وقعت في حبك أيها الفتى بسام.. لقد كنت على دراية باسمك يوم أمس لكنني لم أرد أن أجعل الشك يدخل قلبك نحوي..

بكل بساطة أنا لست من بني الإنس يا حبيبي..

عاد بيت خاله مسرعا..ينتفض..والخوف يكاد يقتلع جذور قلبه..وهو يقول عفريتة الحب يا خالي..لن أمكث في هذه البلدة ساعة بعد الآن..

لملم أغراضه وهم راحلا..

ركب القطار..جلس يتذكر ضحكتها وتلك الكلمات التي كان يقولها فتضحك.. وفجأة وجدها تترآى له وإذ بها تجلس جانبه.. فانتفض صارخا..عفريتة الحب...

تمت

أشياء تشبه الذكرى..

عادت من السفر ليلة البارحة..قضت اللليلة كلها نوما عميقا..

بدأت رحلة التنظيف المنزلية التي اعتادتها بعد كل سفر..تزيل طبقة التراب الموجودة على الأشياء..

أنهت عملها في المطبخ.. الآن جاء دور غرفة السفرة..

فتحت البوفيه لتلمع ما فيه..وتزيح الغبرة عنه.. فيما هي كذلك حتى وقع طقم الكاسات الذي لم يكمل شهرا وتكسر قطعا صغيرة.. لم يصبح له أية قيمة..

كان عزيزا عليها جدا ككل خاجياتها.. قررت ألا ترميه بل ستحتفظ به وتضع آخر مكان..

نزلت مستودع المنزل .. وضعته هناك.. و لما انحت إلى الأرض لتحمل آخر بديلا له..لمحت بعينها تلك الدمية القديمة.. أول ما وعت على دنياها كانت هي لعبتها وصديقتها وكل شيئ لها..

استوقفتها تلك الدمية.. حملت الدمية بين يديها ..احتضنتها..

راحت تجوب المكان ..تدور فيه بقدمها..تنظر كل ما فيه من حاجياتها القديمة..و تعود بذاكرتها لذكريات الماضي مع كل شيئ تراه..

تلك الدمية التي في يدها لها معها أروه الذكريات..حياة كاملة..

ذاك القطار الذ كان لأخيها وأخذته منه عنوة بعد أن كسرت له إحدى عرباته..

هذه كتبها التي كانت تدرس فيها.. أمسكت بها.. جعلت تقلب صفحاتها..وتقلب معها أيام الماضي..

هذا هو خط أمي.. هذه الورقة يوم كنت صغيرة تدرسني هي.. أمي وما أروع تلك الأيام..

أوراق قديمة..هذه أول رسالة أكتبها له بعد أن عرفته بثمانية أشهر.. كنت أحبه كثيرا لكنني كنت أخجل حتى أن أذكر اسمه بصوت عالي.. وها هي الأيام راحت .. يا ترى هل يذكرني أم أنه تزوج مثلي ونسي ما كان بيننا.. هل يا ترى لديه أوراق تذكره بي كما لدي أنا..

تلك اللعبة التي جلبها لي أبي هدية نجاحي..يومها قال لي.. (عقبال طقم المطبخ الحقيقي يوم فرحك يا لولو)

يالله .. يا لها من فرحة كست قلبي يومها.. أتذكر تلك القبلة التي رسمها أخي على جبهتي يومها.. صرخت في وجهه مدعية أن فمه ليس نظيفا..

التفتت بوجهها لتجد ذاك الكرسي البلاستيكي الذي فقد إحدى أرجله الأربع يوم جلب لنا أب جهاز الكمبيوتر للمرة الاولى.. كنت أجلس عليه ..ألعب به وأقف على رجلين منه دون اثنين.. حتى سقطت به وكسرت رجله تلك..

تلك الخشبات المتكأت على حائط المستودع هناك.. لقد عرش في زاياها العنكبوت.. ذاك يوما كان سريري.. كم اشتقت أن تكون لي أخت لتنام جواري فيه.. أجمل أحلام عمري رأيتها عليه.. تلك هي الوسادة تسقط على الأرض.. هل اشتقت إلي أيتها الوسادة..

كم شهدت دموعي وأحزاني وفرحي وضحكاتي..

ظلت هائمة بخيالها بعد أن أراحت على أحد الفرش القديمة فب المستودع.. ومع انغمارها في بحر الذكريات اهتزت يدها فسقط طقم الكاسات الذي نزلت من أجله..

ضحكت وضحكت وضحكت .. ثم قالت ذكريات تهدم لا تبني..

لكن من لا ماضي له يذكره.. فلا حاضر له يعشه..

ثم قفلت صاعدة دون أن تأخذ من المستودع شيئا سوى تلك الذكريات..

أحلام...

سجل في معهد التمثيل المسرحي.. اجتاز السنة الاولى بنجاح..والثانية إلى أن أتم دراسته فيه..

بدأ يبني حلمه.. درس الموسيقى..كون فرقة تمثيلية وأخرى موسيقية..

أحب فتاة بارعة الجمال .. كان يراها فتفتح له بوابة الأمل على مصراعيها.. قال لها يوما .. ستكوني زوجة لي وسننجب طفلا يشبهني وطفلة كسندريلا..

عشق السفر والتنقل بين أركان الدنيا.. عزف موسيقى الأمل والألم على عوده وتحدى الأيام..

سنوات تمر من عمره.. يبني مجدا بقدرته وفنه..

عزمه أقام صرح خيالاته لتكون واقعا وحقيقة..

عمل بكل ما يستطيع.. تارة حمالا ومرة أخرى عاملا ..و .. و..

حتى أدرك تحقيق الخطوة الأولى من حلمه..

سنوات تمر ويفتتح مكتبه الخاص..

جمع ثروة عظيمة..

اشترى ذاك القصر الذي طالما مر أمامه وهو يحلم به.. يحلم حتى أن يرى ماذا بداخله..

بنى دارا لرعاية الأيتام كي يرفع عن كاهلهم ذل الشوارع .. لا يريد أن يفعل بهم الزمن ما فعل به..

تنقل بين جنبات العالم..راح هنا وهناك..دار مع عقارب الساعة كل بقعة في الأرض..

رسى مرة أخرى على ميناء بلدته.. وعاد ليحقق بقية حلمه..

تزوج بتلك الفتاة التي أحب..أنجب طفلا شبيها به.. وطفلة كالبدر شبيهة بسندريلا التي حلم بها في رواياته المسرحية..

أتم أشواط حلمه..وأكمل رحلة مسيره..

عاد يوما لبيته.. وجد زوجته تنتظره كالعاده..

رسم تلك القبلة على خدها..

حملها على يده صاعدا ذاك السلم .. يداعبها وتضحك..

قال لها : اليوم يا حبيبتي أستطيع أن أستمتع بالحياة معك..

أغلق الباب.. وأطفئت الأنوار..

..أخيرا.. تحقق الحلم... و أسدل الستار..

ثلاثي رابعه الشيطان...

(1)

تعودت منذ صباها على الدلال والغنج..لم تعتد من أهلها على القسوة أبدا... حتى نضجت فتاة رقيقة ناعمة العود.. أنوثتها طاغية.. بنظرة إليها ترى شيئا خياليا من الحسن والبراعة في خلقة الرحمن.. جمال فتاة في عمر الزهور ..الثامنة عشر ..

أغلقت السنة الدراسية أبوابها وبعد مدة ظهرت نتائج الثانوية العامة.. كانت هي (رتاج) حاصلة على 95.5% ..

فرحت بصورة لا توصف..تقدمت لكلية الآداب التي كانت تحلم بها..اختارت قسم الإعلام..فهي تحبه كثيرا..تريد أن تكون مذيعة متألقة على الفضائيات..

وبدأت رحلة رتاج...

تعرفت رتاج في أول أسبوع من الدراسة على فتتاتين صديقتين انضمت هي لتكون ثالثتهما.. سهام ونورة كلتاهما على هيئة رتاج..دلال ورقة مفرطة وجمال بارع .. لكن أحلاهن رتاج وإحداهن تعيش أجواء العشق والرومانسية..

رتاج فتاة تعشق المغامرة منذ صباها..تحب التجربة والعبث بأي شيئ.. جتى لو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بها شخصيا.. كذلك هي فتاة لاقت من المدح والإطراء الكثير,,لذلك تريد أن ترى نفسها بكل الصور الممكنة..لا تريد أن تكون تلكم الفتاة المدللة فحسب بل تريد أن تستغل ما أوتيت من أشياء في خدمة متعتها الذاتية.. كل ذلك كان خلف تفكيرها الشيطاني بتكوين عصابة ثلاثية رابعها الشيطان..

توطدت علاقة رتاج بسهام ونورة..انقلبت لصداقة حميمة بعد أقل من ثلاثة أسابيع فقط.. ذلك لأنها لم تكلم سواهما ولاقت ارتياحا شديدا في الحديث والجلسة معهما ..كذلك هما..

سهام هي تلك العاشقة تحب شابا منذ كانت في الثانوية العامة وبالصدفة القدرية كان معها في الكلية في قسم اللغة العربية ولما علم أنها في قسم الإلام قدم أوراقه للتحويل لقسم الإعلام فورا..

كان هذا هو أول شاب يطول حديثهن معه في الكلية بما أنه على علاقة مع سهام فهو بمثابة أخ لنورة ورتاج..

واكتمل المربع,, لم يبق إلا المركز فقط..

رتاج فتاة مدللة ساقها دلالها في الثانوية لمعرفة أشياء كثيرة..ما بين شباب كثير عبر الهاتف .. وأفلام ساقطة وفعت في شباك مشاهدتها عبر الإنترنت.. وكانت بذلك تقضي حياتها..

حكت لسهام ونورة عن ذلك..أخذتا الأمر بداية بمزاح لكنه ما لبث أن رأيتاه حقيقة ...

ذات يوم وبعد أن انتهت المحاضرات .. اصطحبت رتاج صديقتيها معها للمنزل..حاولا الإعتذار لكنها ألحت وأخبرتهما أن أباها وأمها ليسا بالمنزل..هما في الخليج منذ سنوات وأخيها الأكبر بسام دائر بسيارته ليل نهار لا يعود إلا ساعة في العشاء..يأ:ل ويبدل ملابسه ويرحل ليكمل يومه مع أصحابه..

ذهبتا معها..وبعد واجب الضيافة حكت لهم بتفصيل عن مغامراتها مع شباب الهاتف الذين علقتهم جميعا بحبال ذائبة وتركتهم.. ثم جاء ميعاد الإنترنت ..دعتهم لغرفتها السرية.. الآن تكشف كل أوراقها أمام صديقتيها...

هذا هو جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي(اللابتوب) لا يفتحه غيري.. طبعا بكلمة مرور خاصة.. وفتحته أماهم.. وبين موقع وآخر على الإنترنت.. وفجأة قالت..أغمضا عيناكما سأريكما مفاجئة..

ظلتا تسترقا النظر وهي تفتح ذاك الموقع الذي اعتادته منذ زمن.. موقع للأفلام الساقطة.. اختارت فلما وفتحته وبالصوت الواضح والصورة الأوضح .. قالت افتحا عيناكما..

ما إن رأت نورة المنظر حتى التفتت سريعا وهي ترتعد.. ضاحكتها رتاج ومعها سهام التي لم تبد أية تعجب وكأن لها في ذلك من قبل.. المهم أقنعوها أن تشاهد معهم فستتستمتع كثيرا...

وبدأت فتيات الشيطان بالمشاهدة..ومن فلم لآخر وهكذا..وهن يتبادلن القبلات.. حتى دق هاتف نورة..

اخفضي الصوت يا رتاج هذه أمي.. نعم ألو .. أمها تستعجلها.. قالت لها أنا عند صديقتي سأودعها وآتي البيت حالا.. حسنا لا تتأخري .. مع السلامة..

أنهو جلسة الشيطان هذه على موعد أن يكونوا كل أسبوع عند إحداهن في زيارة عادية ..بريئة كما قالت نورة..في بيتنا جلستنا بريئة.. وبضحكات رقيقة ودعتهما رتاج., وذهبت تكمل وحدها..

فتيات وبفعلن هذا.. ما يفعل الشباب إذا..

عادت نوره إلى بيتها.. وكعادتها خلت بنفسها في حجرتها..تفكر في نفسها.. سهام على علاقة حب مع شاب.. ورتاج على استطاعة أن تعرف واحدا واثنان وثلاثة في لحظة.. وأنا لا أعرف حتى فتيات غير رتاج وسهام.. دائما حظي سيئ.. يبدو أن هناك متعة تفوتك يا نورة.. متعة جميلة..قد لمست شيئا منها اليوم في ذاك الـ ..

لا بد أن يكون لي كذلك حبيب..أو حتى صديق.. سأطلب من أمي أن تدخل لي الإنترنت على جهازي ..لأست أقل من رتاج,,

كلها أيام قليلة وتكونين الأولى بينهن.. سأعرف من شباب الكلية واحدا وعشرة..ولكن لابد أن أضع خطة محكمة..

سأفكر فيها لاحقا.. ولم لاحقا الآن..

(2)

لم تمض تلك الليلة بصورة عادية على سهام أو نورة..

هذه خطوة رتاج الأولى لتجنيد أعوانها كي يساعدوها لاحقا فيما تنويه..

بعد أيام قليلة.. كانوا منصرفين من الجامعة بعد اليوم الدراسي.. فجأة تكلمت نورة.. رتاج خذينا اليوم إلى منزلكم زيارة.. فضحكت في وجهها وقالت ..لم يا نورة.. فأجابت سهام (عشان نعمل جو ولا ايه يا نورة) ..تماما هكذا أردت..

اصطحبتهن إلى منزلها..لكن هذا اللقاء لم يكن كسابقه..بل بدأت بشرح الخطة التي بنتها في رأسها.. قالت لهن.. هذه أيام الجامعة لن تكرر أبدا نريد استغلالها ليلا ونهارا..

نهارا في الكلية وليلا هنا في هذه الدار.. سألوها وكيف وما تقصدين..

كشفت وشاح الأنوثة من على وجهها ..وبدأت تتكلم دون حياء أو حتى خجل.. بالمختصر..نريد أن نجعل هذا المكان وكرا لنا ولعملنا.. يعيننا في ذلك عشق قلبك يا سهام.. أرجوك يا رتاج اتركيه بعيدا عن هذا أريده صافيا لا طافيا..

شرحت لها أنه هو الذي سيعينهن فقط في اجتذاب الشباب من معارفه إلى هذا الوكر الخبيث وعليهن هن بدورهن في الكلية اجتذاب الفتيات.. عقل عفريته لا عقل فتاة..

تعجبن من تلك الخطة الشيطانية وعارضنها في بداية الأمر معارضة شديدة.. مدعين أنهن لسنا في حاجة مال ولا على استعداد لتلويث سمعة..

أقنعتهن أنهن ستكونا في غاية السعادة وأن ذلك من باب الصداقة بين الفتيات والشباب فقط لا أكثر ..ومن أراد غير ذلك لا يفعل إلا بعقد زواج (عرفي طبعا).. المهم رسمت أمامهن صورة الأمر على أنه متعة غير ذات ضرر عليهن.. وبنفوسهن الضعيفة وخامتهن الرقيقة تقبلوا الأمر..

من اليوم التالي مباشرة زين الأمر في عين عشيق سهام.. ورسمن معه الخطة..وبدأن العمل والتنفيذ.. مدعيين للفتيات والشباب حينا أن ذلك مشروع لزواج غير ذي القدرة من التي يحب ..وحين آخر أن ذلك من باب الصداقة والمتعة..

دخلت الخطة الخبيثة رؤوسا عششت فيها شباك العنكبوت منذ زمن ..وكثير من الشباب والفتيات انساقوا ..ولكن هذا الأمر كلف ذاك الثلاثي الخبيث وقتا وجهدا كبيرا..

وبدأت رحلة الشيطان مع الثلاثي الخبيث وأسرة ذاك البيت الجديدة التي اعتادت ارتياده يوميا بعد اتمام المحاضرت.. والإجازة الرسمية بوم الجمعة.. قوانين ونظم كأنها إدارة رسمية..!!! واعجبا..

وجاء اليوم الأول لتنفيذ لعبة الشيطان..

حضر المدعوون جميعا..المنزل مليئ بالفتيات والشباب ..طاولات تعج بالمشروبات والكعك وخلاف ذلك من لوازم التغطية واللعب من وراء الستار.. تبدو الحكاية كأنها حفل قد جاءه ناس كثر.. ذلك حتى أغلق باب المنزل على الحاضرين..

ترك الشيطان أعوانه ينسقون فيما بين الفتيات والشباب تحت إشراف ثلاثي الخبث..سهام ونورة ورتاج تاج الثلاثي ومتزعمه..وذهب هو بعد أن اطمأن أن غيابه لن يضر بمراده..

انقلب المكان احتفالا حقيقيا يومها ربما كان ذلك بداية..رقص وتعارف بين الحاضرين.. هكذا حتى هدأ المكان ..كل نصف متر مجموعة فتيات وشاب أو اثنين ..ككذا المكان كله.. المنزل متسع لهم.. فيلا فتاة الشيطان رتاج ..

لم تجد رتاج في ذلك شيئا فهي كما تقول تعيش شبابها وتستمتع بأنوثتها وتحب أن تسعد الناس معها..

رغم تلك الكلمات التي قالتها للجميع إلا أنها انفردت بنفسها بعيدا عن الحضور فقط دورها تنسيقي للوضع لا أكثر..

كانت ليلة ساخنة لكنها حفل تعارف واندماج بين الحاضرين فقط..لم يستطع أحد يومها فعل شيئ غير هذا..ربما لأن الشيطان غاب وترك أعوانه الصغار..

(3)

انقضت السهرة وعاد الجميع إلى حيث جاؤوا كل يحمل معه صداقة جديدة .. و سبيلا شيطانيا بمعنى جديد ..

كانت رتاج تشعر بسعادة عارمة تجتاحها..كانت تظن أن هذا لن يحدث بذاك المستوى.. اليوم أصبحت راعية لمشروع الحرية (كما تسميه هي) و التي طالما حلمت به..

تعرفت نورة هذه الليلة على ثلاثة شباب .. كل منهم تحدث إليها بنفس أسلوب الآخر.. وعود وأماني لا تسمن ولا تغني.. لكنها خطت الخطوة الأولى في حلمها..أن تعرف شبابا...

انتشر الأمر أكثر بين أوساط الطلاب وكثر الفاسدون حتى من خارج كلية الآداب.. احتاج الأمر إلى تنظيم أدق..مكان أوسع وأكبر... بات الأمر مرهونا باختيار مكان آخر ليكون الوكر الثاني..

لم توافق نورة أو سهام خوفا من أن يكبر الأمر عليهم ويتسع فم التمساح الذي جلبوه للحاضرين فيأكلهم هم وكما قالت نورة ( نتكشف وبوليس الآداب يعرف ونروح ف شربة مية)

لم يكن الجو مهيأ لفتح الباب على الغارب بتلك الصورة التي أرادت رتاج.. لذلك فبعد محاولات إقناع من صديقتبها وافقت على تأجيل الفكرة..

بدأت السهرات الليلة الخبيثة تكثر..وعقود الزواج العرفي صارت عادت كل الشباب والفتيات هناك ولكل يومه وليلته.. كانت نورة تفكر في فكرة العقد العرفي هذا أرادت أن تتخذ قرارا وحدها..لأنها تعرف لو أخبرت رتاج فستقنعها..ومن تفكير لتفكير..بدأت تقل من ذهابها مع سهام ورتاج مرة تحتج بأمها ومرة بكذا وكذا..حتى جاء اليوم الذي قطعت فيه رواحها هناك..بعد أن توطدت علاقتها بشاب من الثلاثة.. شعر بها فعلا ..أحبها وأعطاها الحنان والأمان وهو الذي حاول معها واقتلعها من بركة الخبث..

سقط من الثلاثي ضلع..لا يمكن أن يكتمل المتلت دون ضلع الرابع ولا حتى أن يؤدي عمله كمثلث بزوايا ثلاث..

يبدو أن القدر كشر عن أنيابه وتوعد ذاك الوكر..وكعادة الشيطان..إني بريئ منكم إني أخاف الله رب العالمين..

في ليلة غاب ضوء القمر .. واجتمعت عصابة الإفساد وكر الخبث.. ودخل ذاك الشاب بهي الطلعة راقي المنظر.. يبدو عليه أنه كما يقال(ابن ناس واصلة قوي) .. الكل مشغول ..

لمحته عين رتاج فانبهرت به وبمنظره ..دخلت عليه بكلام من هنا وهنا.. قال لها .. أريد صنفا راقيا وبسرعة.. (مستعجل)

أبت أن تضيفه من ذاك الوكر صحنا ولغ فيه كلب أو كلاب كثر..

شغلتها هيبته..جلست تتكلم معه... أردات هي هذه المرة أن تذوق حلاوة المتعة التي تقول عنها.. عرضت عليه فكرة العقد العرفي.. بعد تفكير منه لم يطل وافق فورا.. الشهود حاضرون.. والعقد كتب..

الشيطان يضحك من بعيد على صغيرته..كيف لها أن تسقط هذا سقطة وهي التي تضع السم في الطعام..كيف تأكل منه..

كانت ليلة سوداء.. راحت رتاج مع ذاك الذي شغلها ولأول مرة تراه ..راحت معه تبحر في أعماق بحار الخبث والوضاعة..

فجأة سمع الجميع صرخة..عالية ثم ما لبثت أن هدأت..خرجو بحالاتهم الخبيثة من غرفهم ليرو إحدى فتيات الشطان ملقاة على الأرض مختنقة وعلى رقبتها تلك السلسلة التي خنقت بها..

يبدو أن الفاعل ذكي لم يترك أثرا لبصماته على السلسلة.. لم تخرج رتاج من غرفتها مع من خرجوا.. لكنها سرعان ما صارت في وضع يسمح لها بالخروج لتجد رجال الشرطة يطوقون المكان بغزارة..

ماذا جرى يا ترى من أخبرهم..وكيف..؟ يبدو أن القاتل فعلها وهرب..

الكل إلى سيارات(البكس) إلى شرطة الآداب ومباحث الجنايات .. جريمتان.. قتل ودعارة..

مع صباح اليوم التالي حولت الشرطة الجميع إلى الطبيب الشرعي لتعرف رتاج هناك الكارثة العظمى..

من ليلة واحدة ..بل لم تكتمل أصلا.. أصبحت مصابة بذاك المرض الخبيث..الإيدز..ممن؟ من ذاك الذي حسبته (جنتل مان كما قالت..)..

هي وحدها من كانت في هذه الحال وبقيت عصابة الفساد لم يصابوا بشيئ..

انتقلت أوراق القضية للنيابة العامة للنظر فيها.. وسرعان ما كتبت الصحف ( عصابة دعارة تقودها ابنة رجل الأعمال ... المقيم خارج البلاد)

انتهى الحلم يا رتاج..انتهت أيام الأنوثة الطاغية..والدلال المفرط.. انتهت الحياة كلها في لحظة شهوانية .. هكذا كانت نتيجة المغامرة التي ساقتها نفسها إليها..

تمت

قطعة من عذاب..

(1)

كان في حيرة من أمره.. فكره مشتت وقراره مذبذب.. كل ذلك من أجل أن يتخذ قرارا هو لا بد فاعله لكنه يسوف ويؤخر.. وبدون تردد انقلبت الحيرة استقرارا.. وسارت مقادير الله.. وراحت الساعات تمضي حتى جاءت ساعة الصفر..

خرج من منزله بومها ..ودموعه تحتبس في نفسه تكاد تخنقه..وقلبه يتألم وجعا تسيل من جرح قلبه الدماء كما الفيضان.. كان موقفا شديدا عليه ..

حاولت أمه أن تستوقفه كي تسلم عليه لكنه وجد من الأفضل أن يخرج دون أن يسلم عليها كما اعتاد أو حتى يدعها تقبله.. ’ثر أن يجرح قلبه خير من أن يجرحها هي..فلو احتضنته لما أرادت أن تتركه ولئن ذهب عنها فكأنما خلع قلبها منها..

نزل درجات السلم وهو ينظر خلسة للوراء..ليرى اخوته يقفون على باب المنزل يودعونه بأعينهم التي تنهمر منها الدموع..

وصل به أبوه إلى الحافلة.. فهم صاعدا..فأمسكه من يده وجذبه نحوه واحتضنه فأحس أنه لم يعش نعيما في دنياه قط غير تلك اللحظة التي تألم منها كثيرا لأنها لم تدم إلا ثواني معدودة.. ثم ركب الحافلة وقلبه ما زال في أحضان أبيه ونفسه تتوق أن يكون هذا كله حلم ..أن يستيقظ فيجد أمه جواره تربت على كتفه..

تلك هي الحياة ..وما حياتنا إلا لقاء بعده حتما فراق..

بقي مع نفسه في تلك الحافلة..تسير مسرعة وهو ليس معها..عقله وقلبه وروحه كلما مضت الحافلة بعيدا كلما غابوا عنه أكثر ..بقوا مع أمه وأبيه واخوته الصغار.. بقوا مع أخيه عمار ذاك الذي تعلق به كروح تعلقت بجسدها.. لا يريد أن يغلق عينه فتغيب عنه صورهم.. تلك الصورة التي لا يملك أعز منها.. وهل يملك الإنسان أغلى من أهله..

وما إن مر بعض الوقت حتى سمع رجلا يكلمه ..كان ذاهبا لأهله في مصر.. أما هو فذاهب عن أهله إلى مصر.. بدأ الرجل يتجاذب معه أطراف الحديث وهو يرد عليه بلسان لا يعرف ما يقول لأنه يتحدث دون عقل..

ظل السائق يسير ويقطع المسافات..لا يعرف أنه بذلك يفصل روحا عن جسد..

أخرج هاتفه النقال ودموعه تسيل تباعا..وكتب تلك الرسالة ..أرسلها لأمه على هاتفها..( قد غبت عنهم ومالي في الغياب يد .... أنا الجناح الذي يلهو به السفر..)

ومضى الطريق لا يقطعه سوى صوت فلان ورائحة دخان علان التي تزعجه كثيرا..كاد أن يتشاجر معه بسببها.. حتى رفع الليل رحاله..وبسطت الشمس نورها وأسدلت ستار شعاعها على المكان... توقفت الحافلة معلنة وصولها الميناء..

نزل إلى صالة الركاب..كانت الساعة التاسعة صباحا ..وبقي هناك فترة طويلة يعاني السأم والملل والكآبة.. وفت طويل لا يكلم فيه أحد ما هذه عادته أبدا.. وبينما هو جالس جاءه رجل يطلب منه شاحن هاتفه حتى يشحن هاتفه.. ومن هنا بدأ يتحدث بعد طول سكوت.. فورا ذهب مع الرجل ذاك وجلسا يتبادلا أطراف الحديث.. علم أنه اسم ذاك الرجل صلاح فكان بناديه(عمو صلاح)

يحكي له عن عمله وأنه ذاهب لعياله و.. و.. و.. هكذا حتى سكت فتحدث هو حكى له أنه ذاهب كي يدرس في الجامعة في مصر..هو مصري الأصل لكنه كان يدرس في السعودية.. وظل هكذا يقطع وقته معه..

طال الإنتظار في صالة الركاب وانزعج الناس كثيرا من ذلك.. كلما سألوا قالوا لهم لم تصل العبارة بعد..حجج لا تغني ولا تريح.. وجاء وقت العصر.. أخبروهم أنهم لن يسافروا هذا اليوم لأن العبارة مازالت راسية على الشواطئ المصرية يدعون أنها في أعمال الصيانة..

لم يكن هناك حل سوى أن أنزلوهم في أحد الفنادق هناك بدلا من تلك الصالة التي ليس فيها سوى الكراسي والطاولات التي لا يمكن أن يرتاح فيها أحد..

نزلو في الفندق..وما زال هو مع العم صلاح.. تركا أغرضهما في حجرة الفندق وراحا سويا يبحثان عن مطعم يأكلون فيه بعد تلك الجلسة الطويلة التي أرهقتهم جدا..

جلسا في المطهم وحلف العم صلاح أن لا يجعله يدفع شيئا وطلب له دجاجا مشويا و .. و .. يحسب أنه من كثرة تعبه وجوعه سيأكل كل هذا لكنه لم يأكل سوى ربع دجاجة وقليل من السلطة فقط وتورط العم صلاح في الباقي فأكله هو وهو يسومه السخرية ..قال له كأنك عصفورة لا إنسان..

عادا إلا الحجرة ..كانت الساعة السادسة عصرا.. صلى الظهر والعصر جمع وقصرا..ووضع رأسه على الوسادة فلم يرفعها من شدة إرهاقه إلا الساعة الثانية والنصف ليلا..

استيقظ يحسب أن الوقت عشاءً على أكثر تقدير ففوجئ بالساعة.. مظر إلى هاتفه المحمول فوجد مكالمات كثيرة فائته..:لها من أبيه وأمه أو عمه في مصر الذي ينتظره.. فبدأ بتوزيع الرنات عليهم.. ثم قام يؤدي ما فاته من صلوات ..وعاد لتفكيره في أهله ثانية حتى الصباح..

وفي الصباخ أخبروهم بوصول العبارة شواطئ الميناء..فخرجوا سريعا إلى الحافلات التي تنتظرهم وكان مع العم صلاح لكنه في ارتبك فهذه المرة الأولى التي يسافر فيها وحده دون أهله..أو هي المرة الاولى التي يسافر فيها أساسا منذ كان صبيا ابن عشر سنين وهو اليوم شاب قارب على العشرين..

أوصلتهم الحافلات يومها وكان الجمعة إلى صالة المغادرة ..صلو الجمعة بالمسجد هناك,, ثم عادوا ليمكثوا طويلا في صاله المغادرة ...

(2)

.. طلوا هكذا طوبلا ما بقرب على الأربع ساعات وكلما سألوا يمنوهم أنهم سيرحلو الآن.. حتى جاء موعد الرحيل فعلا.. قام هو والعم صلاح ووقفوا في تلك الطوابير الطويلة جدا حتى يختموا لهم جوازات السفر ..

ثم انتقلوا إلى العبارة..

كان في قلبه شيئ من الخوف فما زالت مشاهد عيارة السلام في عينه ..هو لم يسافر وحده قبل ذلك..

دخل إلى العبارة وهو بقول باسم الله مجريها ومرساها..

وتحركت العبارة ..بعد قلبل من الوقت شعر بدوار وأحس أن بطنه تتقلب..ربما من الخوف أو من البحر.. كان الناس يجلسون في صالة التلفاز يشاهدون أفلاما ..دعاه العم صلاح لأن يذهب معه هناك لكنه رفض.. فقال له اذا :اجلس مع رحاب وهناء هناك..

رحاب وهناء هاتين فتاتين يكون العم صلاح خال لهما..رآهما هو مع العم صلاح في صالة المغادرة..لم تكونا معه لكنه قابلهما صدفة ..فمن المؤكد أن يعتني بهما ويكون دوما معهما..

ذهب به العم صلاح إليهما و عرفهما به..وأخبرهما أنه سيجلس قريبا منهم إن أرادا شيئا يطلبان منه.. فهو مهذب وسيتعامل معهما كأختين له..

اختلش النظر إليهما.. هناء تبدو كبيرة وبنظرته قال إنها تعدت الخامسة والعشرين..لأكن رحاب تبدو جميلة بارعة الحسن ويبدو أنها لم تجتاز العشرين بعد..

لعب الشيطان بعقله وراح فجلس معهما..لم يبديا استياء من ذلك بل تبادلا معه أطراف الحديث.. وكان كلامه كله تقريبا موجه لرحاب..

لك ير حسنا قبل ذلك مثل حسنها..رقة وعذوبة وأدب..لأكنه لا يستطيع حتما أن يتكلم في شيئ كهذا معها.. ويرعان ما ارتجف قلبه ونبض بحراراة..لا يعرف ما هذا أهو الإعجاب أم لأنه لم ير مثل ذلك في السعودية ..ربما لأنه لم يحاكي فتاة قبل اليوم..

كانتا تحملان معهما قصصا كثيرة من المواقف التي حدثت معهم في تلك الثلاث سنوات التي مكثنها في السعودية..فطال الحديث وهو كذلك بادلهم الحكاوى.. زكلما تكلمت رحاب كلما أحكمت شبكتها القبضة على قلبه..

هكذا حتى عاد العم صلاح من غرفة التلفزيون..فاعتدل مكانه وكأنه لم يفعل شيئ..

انتبه العم صلاح من بعيد لحديثن معهما لكنه لم يتكلم ومر الأمر بسلام..بل والأكثر أنه أشركه معهم في الحديث عندما عاد..

اقتربت العبارة من ميناء الغردقة المصري وفجأة بدأت تتحرك حركة ملأت قلبه بالذعر والقلق ..ليس هو وحده بل معظم من في العبارة .. تكلمت معه رحاب تتذكر حادث عبارة السلام وهو يطمئنها مدعيا أنها أمواج عاديا فالجو شتاء ولا شيئ يدعو للقلق.. كان قلبه من الداخل ينبض خوفا ..

لكن ذلك لم يرعه طوبلا .. نسي هذا بحديثه المضحك م العم صلاح صاحب النكته كما تقول له هناء.. بدأ يمزح معهم كي يطمئنهم ساعة يقول لهم ما في ذلك شيئ كل الأمر أننا سنجد أنفسنا بين فكوك الحيتان..لاشيئ أبدا..

ويعد قليل الوقت هدأت العبارة معلنة دخولها الميناء المصري والوصول بعد دقائق قليلة..

فهدأ خوفه واطمأن تماما..

وصلت العبارة بأمان .. وظلوا فيها ساعات بعدما وصلت ..ولكنهم تعودوا على الإنتظار في هذه الرحلة المرهقة المتعبة.. وبعد مضي ساعات أذنوا لهم بالنزول..

نزلوا بين زحام الحقائب الملقاة على أرض الميناء..والناس سختلط صغيرهم بكبيرهم ..كل يبحث عن حقائبه..

لم يكن معه هو إلا حقيبة واحدة كبيرة وأخرى يعلفها على يده صغيرة.. لكن المفاجأة التي عرفها كادت تضي عليه..

العم صلاح وابنتا أخته معهم من الحقائب ما ينيف على الثلاثين..حقائب وكراتين و..و..و.. لماذا كل ذلك..

لأنه بعد شهر حفل زواج هناء..مبارك .. هذا هو كل شيئ لها من الإبرة وحتى ....

هو نحيل الجسم وزنه ليس أثر من خمسة وخمسين كيلو فقط ..ولكن المطلوب منه الآن أن يساعد في حمل الحقائب وجمعها..و..و..

المكان هناك مليئ بالحمالين..طلبوا أحدهم وآخر لكنهما كانا رجلين كبيرا السن..فاضطر العم صلاح وهو أن يدخلا في معمعة الحمل والوضع والتعب الذي لا ينتهي..

كان الغيظ قد ملأ العم صلاح من هذين الحمالين ولكنه لم يتكلم معهما لكبر سنهما...فأفرغ كل ذلك فيه..بين صراخ عليه ( شيل وحط وحاسب دي تقع و .. و,, و..)

انتهى الأمر أخيرا بأن دخلوا صالة الجمارك بعد أن أذن الفجر وبدأ اليوم الرابع لتلك الرحلة المرهقة..

أطالوا المكوث هناك..كان جمهورا من الناس ينتظر المرور ورجال الجمارك يعملون ببرود معهود على رجال الخدمة المصريين..

انتهز هو الفرصة ووقف جوار رحاب وكانت وحدها تقف وتنظر أما هناء فكانت تعين في جمع الحقائب قريبا من بعضها..بدأ يكلمها ويستأنس بصوتها ومزاحهما سويا..

لمحت في عينه كلاما فهمته سريعا..وعرفت ما يفكر به.. فسألته؟ ما الذي يجعلك تقف معي الآن ولا تذهب لمراقبة حقيبتك مثلا ..؟ ارتبك قليلا ثم قال : كي لا يتعرض لك أحد من الحمالين أو الشباب هنا أنت ترين الزحام و..و.. فقاطهته.. ليس هذا السبب فهناء كذلك من الممكن أن تتعرض لذلك.. فرد أقسك أنه السبب الحقيقي لأني أخشى عليك أكثر منها..

نظرت إليه بتعجب وهي تبتسم..فارتبك وذهب بعيدا بحيث يراها ولا تراه..

خرجوا من صالة الجمارك..وتفاجؤوا أنهم لا بد أن يمكثوا حتى العصر لحين مجيئ الحافلة التي تقلهم إلى بلدهم.. عندها انفجر العم صلاح على الرجل في مكتب تأكيد الحجز هناك ..وأخرج كل ما فيه من غيظ وتعب على رأس الرجل ذاك..

بعد قليل وجد الحافلة التي ستقلهم قد جاءت.. وظهر أنها كانت موجودة لكحن السائق لم يكن له مزاج أن يرحل الآن!!!!

ركبوا فيها وبدأت الرحلة..جلس هو بجوار العم صلاح على الكرسي الخارجي بينما العم صلاح ناحية الشباك..وفي الكرسيين المجاورين جلست هناء ورحاب ..جلست هناء كذلك على الكرسي الخارجي.. وبعدما غاب العم صلاح وهناء في النوم بخطة أحكمها هو حتى يستطيع الحديث مع رحاب.. بدأ يتكلم وقليل من الوقت جعل رحاب تغوص هي أيضا في النوم.. وهو بقي وحيدا... فمكث قليلا ثم غاب في سبات عميق..

مضت الساعات سريعا وتوقفت الحافلة عند إحدى الإستراحات لمن يريد أن يأكل أو يدخن..

(3)

أيقظهم ونزلو إلى الكافتريا التي هناك وانتقو طاولة جلسوا عليها وكانت الصدفة أو قل القدر هو هذه المرة الذي جعله يجلس إلى جانبها..

سألهم العم صلاح ما تأكلون فقال هو كما تطلبون أنتم..

وعندما جاء الطعام بدأوا يأكلون وهو يأكل بهدوء وبقلة ..وبين ثانية وأخرى ينظر إليها نظرة.. تعلق قلبه بها كثيرا..

نظرت إليه وهو يأكل وضحكت ثم قالت ..ماذا تفعل أهكذا تأكل دوما.. ثم قالت له انتظر وبعد دقائق قدمت له (سندوتشات) صنعتها بيدها.. فأخذها وعينه تنظر إليها نظرة لاحظها العم صلاح وهناء لأنها كانت واضحة جدا.. والأكثر من ذلك عندما أنهى أكل تلك (السندوتشات) بسرعة.. فنظرت له وضحكت.. كانت تلك أطعم وأشهى ما أكل في حياته..

صار الأمر جليا الآن لكن لم يوجه له أحد أي كلام فهو لم يتكلم بشيئ وكلام العيون لا يكفي للدلالة على المكنون..

بقي في الطريق ساعات قليلة..هو يريد أن يتحدث معها ولكن كيف .. قال للعم صلاح لا تتركوني وحدي وتناموا لم يبق في الطريق شيئ وأريد أن أتحدث معكم..

فهم العم صلاح مراد فقال له ..حاضر..

عادوا للحافلة وبقوا متيقظين ودار بينهم حديث طويل دخل فيه السائق وركاب كثير.. وبعد كل هذا التعب كانت رحلة جميلة سعيدة..

قبل أن يصلوا بمسافة قليلة توقف السائق على مقربة من البحر..وقال لهم استراحة قصيرة ونكمل لم يعد هناك شيئ كثير..

نزلوا مع العم صلاح وراحوا ناحية البحر..ونزل العم صلاح وهو البحر..ورحاب وهناء ينظرون إليهم..فنادهم العم صلاح..

كان سعيدا جدا أنهم سينزلوا البحر معه.. وعندما جاؤوا نحوهم كادت تنزلق رحل رحاب وتسقط على ظهرها لولا لطف الله وأنه هو أمسكها.. لو كان المنظر عاديا لكان من الممكن أن نقول عنه خارجا..لكنه فجأة وجدها تتعثر أسرع ليمسك بها..فوجد خدها قريب من فمه.. ارتبك ثم أقامها على رجلها وتركهم ورحل إلى الحافلة وحده خجلا من الموقف يظن أنهم غضبوا منه لأنه أمسك بها..

سمعهم وهو يمشي ناحية الحافلة يهمسون ويضحكون لكنه لم يلق انتباها.. وعاد وحده..ولما عادوا وجدوه قد نآى عنهم في مكانه وجلس بعيدا.. سأله العم صلاح لماذا فقال له لتأخذوا راحتكم..لإضحك وقال راحتهنا وأنت معنا.. ثم إني قلت لك رحاب وهناء كأختين لك.. فنظر إليه بطريقة غريبة..فرد العم صلاح... لا لا أقصد هناء كأخت لك ..

فهم عندها أنهم فهموه وضحك بابتسامة هادئة ثم قام معه وعاد لمكانه جانبهم..

لم يبقى إلا القليل جدا..السائق يقول..كل يكلم أهله أو إن كان أحد سينتظره ويخبرهم أننا سنكون عند محكمة الأسرة..

بدأ الألم يدخل قلبه.. هو بدأ رحلته بفراق وأيضا سينهيها بفراق..

المهم قطع المسافة المتبقية معها بتحدثان سويا وعندما دخلت الحافلة حدود البلد .. قال لها سأخبرك شيئا..

قالت له أعرف ما ستقول.. قال كيف .. ؟ قال أعرف ولكن قل أحب أن أسمعها..

ففرح فرحة بدت آثارها في كلامه وحركته وقال.. تعرفين..وتحبي أن تسمعي..

كانت أذن العم صلاح معهم ..ولما رآه تلعثم في كلامه التفت إليه وقال له.. (يا سيدي قول بتحبها وخلاص بلاش تغرق في شبر مية..)

السائق يدق جرسه الذي أزهجهم به في الطريق..ُم يقول(حمدلله ع السلامة وصلنا يا بشوات)

الختام

نزلوا ووقفوا ينتظرون سيارة العفش.. تعاهدا أن يتحدثا سويا.. ودون أن يطلب أعطته رقمها الذي اشترته في الميناء عندما وصلوا..وقالت له..(أنا اشتريت الرقم ده من هناك غالي بس عشان أعطيك الرقم)

ابتسما سويا و قبل يدها دون أن يعي أنهما يقفا أمامالناس.. ثم افترقا والدمع يسيل على خديهما وهو يحاول أن يرسم ابتسامة على خده يعدها بها خيرا..
تمت

 
') }else{document.write('') } }