طـبلة المـسحـراتـي

استيقظ فزعا ليلتها ..سمع طرقات كأنها طبل يضرب..ما هذا..الصوت يبدو أنه من فناء المنزل.. قام لينظر ما اأمر..تلك هي ساعة رمضان..أحضرها والده تدق وقت الإفطار بأذان ووقت السحور بدق كطبل المسحراتي..يالله قد أفزعتني هذه الـ.. ثم جلس على أحد الكراسي الموجودة..سبحان الله..فعلا غدا رمضان هكذا قالوا ليلة البارحة..أقصد قبل أن أنم..السحور..الــ....قام مسرعا إلى المطبخ..وفيما هو يجهز طعامه وطعام والده ..أحس بألم في قلبه..كأنه وجع نفسي..ليس سقما..فترك ما بيده..وجلس على أرض المطبخ وسهى مع نفسه..راح يفكر..نظر لوجهه في مرآة الطقم الخشبي الذي يتكأ عليه..جسد أكل الدهر منه عمرا طويلا..سبعة وعشرون سنة كوامل..لا يعي تلك الكلمة التي يسمعها كل عام في نفس الحين ونفس الوقت..رمضان شهر القرآن والرحمة والغفران..أيعقل أني كنت تلك الفترة في غياهب الظلام لا أعرف كيف تمضي هذه الايام العظيمة علي..كيف كنت اقضيها..في صالات الكازينوهات..سهرات حتى الفجر ونوم حتى المغيب..أهذا هو رمضان الذي يعيه الناس..أم أن تفكيري وعقلي لا يشاركني فيه غيري..كل الخلق تغدو وتروح ..تراقب ربها..ترحل إليه..وأنا مازلت في بداية عمري..في بداية طريقي..لا أعرف كيف أرفع يدي وأقول ياالله..ربما سخرت من والدتي يوما عندما رأيتها ترفع يدها وتقول يالله بحق هذه الأيام اهده يارب..ربما كانت هذه الدعوة محلا لسخريتي يوما لكنها اليوم أكثر ما أحتاجه يا أمي..رحمك الله وجعل مثواكي الجنة فقد كنت تحني علي وأنا لا أعرف شيئا عنك..

ظل شريط ذكرياته يمر أمام عينه..كل ما فعله..قد كان سببا في إفساد تلك الفتاة البريئة..خلع عنها رداء الحياء الذي كساها الله به..حعلها تتكلم معه دون حسيب أو رقيب..تخرج معه دون أية موانع أو مراعاة لدين أو عرف.. رسم عليها دور العاشق الولهان و جعلها خلته ورفيقته..علقها بها وأحبها هو كذلك..وفعل ما فعل..ظل معها ولم يتركها من باب الرجولة لا لدين ينتمي إليه أو لشيء..

ظل التفكير يشرق به ويغرب ..وفجأة سمع المؤذن يرفع الأذان لصلاة الفجر.. انتبه وقتها وقد راحت فرصة السحور..لكن فرصة التوبة جاءت الآن وبدأت حالا.. قام منتفضا.. طهر جسده ثم خرج إلى المسجد يبدأ رحلة لتطهير قلبه من درن الفساد الذي يملأه..

أكمل أيام شهره بطاعة وندم على ما فاته..غير حياته في أيام هي اعظم ما مر عليه في عمره كله..تحول في ثلاثين يوما من شاب لا يفقه شيئا في دينه إلى شاب قلبه معلق بالمساجد ..وكان شعاره دوما في حياته..رمضان غير حياتي..